11 سبتمبر 2025

تسجيل

قراءة في أسباب وأبعاد فوز أردوغان

04 يونيو 2023

شكل فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بانتخابات الرئاسة في تركيا لولاية ثالثة ولأول مرة اضطر أن يخوض جولة ثانية في 28 مايو الماضي بعد فشله في حسم الانتخابات بالجولة الأولى في 14 مايو-صدمة لمحللين ومؤسسات استطلاع الرأي- التي توقعت هزيمته وتحالفه وحزبه بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع التضخم والأسعار وتراجع سعر الليرة التركية وتداعيات الزلزال المدمر الذي أودى بحياة 50 ألف شخص في فبراير الماضي- وكانت المعارضة وجهت انتقادات لتعامل الحكومة مع الزلزال في الولايات المتضررة. ومع ذلك كله نجح الرئيس أردوغان في تحقيق انتصار مهم ونصر معنوي له- يتوج إنجازاته خلال العقدين الماضيين وفي ذكرى قرن على تحول تركيا إلى النظام الجمهوري مع نهاية الخلافة العثمانية. وبرئاسة أردوغان الثالثة والأخيرة- يكون قد حقق إنجازاً تاريخياً بصفته الرئيس الذي أمضى أطول مدة في الرئاسة متجاوزاً سنوات اتاتورك الخمسة عشر. رشح الرئيس أردوغان نفسه مع تحالف رباعي- على سجل إنجازاته المميزة خلال العقدين الماضيين-برغم الوضع الاقتصادي المؤرق- إلا أنه تعهد برفع الحد الأدنى للرواتب لموظفي القطاع الحكومي بـ 45% إلى 15,000 ليرة أكثر من 750 دولارا- وتعهد ببناء 650,000 وحدة سكنية- في المناطق الأكثر تضرراً في الولايات التي ضربها الزلزال المدمر. واكتشاف كميات كبيرة من الغاز والتعهد بتوفير الغاز لجميع المنازل في تركيا لمدة شهر مجاناً. يترشح الرئيس أردوغان على سجل إنجازاته الحافلة، قادت تركيا لمصاف الدول المؤثرة في القضايا والملفات الإقليمية والدولية، والوساطات لحل النزاعات وتوسيع الاتفاقيات الدفاعية، وتطوير الصناعة العسكرية المتطورة، خاصة في مجال مسيرات بيرقدار التي أثبتت فعاليتها في حروب حلب وليبيا وأذربيجان وفي تصدي أوكرانيا لحرب على روسيا المستمرة منذ 15 شهراً. كما رشح الرئيس أردوغان نفسه بعدما أحدث نقلة نوعية غير مسبوقة لدور ومكانة تركيا وجعل منها لاعبا إقليميا ودوليا بنفوذ ودور في ملفات إقليمية ويبرع في سياسة التوازنات العصبة، في سوريا والعراق وليبيا وقطر والصومال والصراع العربي الإسرائيلي- وحرب روسيا على أوكرانيا. وبيع أوكرانيا صفقات مسيرات بيرقدار التي أثبتت فاعليتها ضد القوات الروسية في الحرب على أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، تبقى تركيا الوسيط الوحيد الناجح في حلف الناتو التي يمكنها التفاوض مع بوتين والتوصل لاتفاقية الحبوب والقمح في صيف 2022، ما ساهم بإنقاذ الملايين من الجوع بشحن مئات أطنان القمح والحبوب إلى دولهم من موانئ البحر الأسود. كما استخدم الرئيس أردوغان حق الفيتو لمنع انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو قبل الاستجابة لمطالب تسليم أعضاء في تنظيم PKK الإرهابي-وجماعة غالين ورفع الحظر عن تصدير السلاح لتركيا. وقد استجابت فنلندا-وانضمت فنلندا إلى حلف الناتو. وبقي الفيتو على انضمام السويد للناتو-إلا أنني أتوقع أن يتم التوصل لحل وسط وانضمام السويد للناتو بوساطة إدارة بايدن ضمن صفقة حصول تركيا على صفقة مقاتلات F-16-وهو ما لمّح له الرئيس بايدن بمكالمته لتهنئة أردوغان بتهنئته بفوزه. كما حقق الرئيس أردوغان إنجازات واسعة وضعت تركيا في مصاف الدول الرئيسية إقليمياً وعلى المستوى الدولي بلعب توازنات مهمة مع القوى الكبرى بعضوية تركيا في حلف الناتو-أكبر تحالف عسكري عرفته البشرية-ومجموعة العشرين لأكبر اقتصاديات دول العالم. ما مكن تركيا من لعب دور متصاعد بعد أكثر من عقدين في السلطة متدرجاً من رئيس وزراء إلى رئيس جمهورية وفاز في 15 انتخابا على جميع المستويات المحلية- رئيس بلدية إسطنبول كبرى مدن وأهم مدينة والعاصمة الاقتصادية والمالية و11 مليون ناخب والتي خسرها أردوغان بفارق ضئيل عن منافسه كليجدار أوغلو. يدين الرئيس أردوغان في انتصاره إلى أوراق القوة التي أكتسبها مع حزبه-حزب العدالة والتنمية. خرق بفوزه قاعدتين راسختين. الأولى أكد بفوزه أنه يمكنك الفوز برغم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والانقسام السياسي الحاد. وثانياً بخلاف القاعدة التي تؤكد من يفوز بإسطنبول-يفوز بتركيا. في جولتي الانتخابات الأولى والثانية برغم خسارة الرئيس أردوغان في إسطنبول بالجولة الأولى وجولة الإعادة الثانية- بفارق ضئيل-إلا أنه تمكن من التقدم والفوز بالرئاسة. والظاهرة الملفتة هو انتزاعه الأغلبية في معظم الولايات الجنوبية التي كانت المركز والأكثر تضرراً من آثار الزلزال! وهذه بحد ذاتها تصويت ثقة على قدرة الرئيس أردوغان وحكومته بالإيفاء بوعودهم بإعادة الإعمار وتسليم عشرات آلاف الشقق والوحدات السكنية التي تدمرت- ومعها المرافق والبنى التحتية والمستشفيات والمدارس كما وعد بعد كارثة الزلزال المدمر. نجحت حملة أردوغان بتعرية مواقف وسياسات منافسه العلماني كليجدار أوغلو الممثل العبء للطاولة السداسية لأحزاب هلامية لا يجمعها الكثير- بخواء طرحه وعنصريته الشوفينية ضد المهاجرين واللاجئين وخاصة السوريين والمبالغة أعدادهم من 3.5 مليون إلى 10 ملايين- وربط علاقته بالتعاون مع الأحزاب الكردية الإرهابية-التي تشكل في عقلية الناخب التركي تهديداً مباشراً للأمن الوطني التركي. كما لم يساعد وضعه في حملته الانتخابية ارتباطه وتحالفه الوثيق مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي-ودعمه لجماعة مجتمع ميم المثليين والشاذين جنسياً. أنهيت مقالي الأسبوع الماضي في هذه الزاوية في الشرق-"لماذا يعزز فوز أردوغان شراكتنا ومصالحنا المشتركة؟" بالتأكيد "يشكل فوز الرئيس أردوغان وحزبه وتحالفه الذي يملك أغلبية مريحه في البرلمان للسنوات الخمس القادمة تمكنه من تمرير جميع مشاريع القوانين دون عرقلة واكمال برنامج عمله في الشأن الداخلي والخارجي علامة ثقة على الثبات على النهج للسنوات الخمس القادمة. تشكل ضمانة للاستقرار والاستمرارية لسياسة ومواقف تركيا. ما يعزز شراكتنا ومصالحنا المشتركة”. فوز الرئيس أردوغان يعني استمرار سياسات تركيا داخلياً وخارجياً. لكن المطلوب إصلاحات جذرية لحل الأزمة الاقتصادية الصعبة. واستمرار نهج البراغماتية والندية والتوازنات الصعبة مع الشرق والغرب والانفتاح والتقارب عربياً مع مصر وخليجياً لتعزيز مصالح تركيا وحلفائها.