10 سبتمبر 2025

تسجيل

موتٌ صغير !

04 مايو 2023

عندما يقع الإنسان في دوائر الاعتياد فإنه يكون قد سلّم نفسه لمنطقة راحته.. تلك المنطقة التي أصبحت سهلة عليه ألفها وألفته بدوام الخلطة وكثرة الممارسة.. ولكن استمرار الاعتياد يقتل التيقّظ والملاحظة، ويميت الانتباه، وتُبهت ألوان الحياة، وتُبدد نكهتها، وتُضمر روعتها وتُضعف الدهشة بتفاصيلها ! ذاك النوع من التعوّد الذي يجعلك تألف كل ما حولك ولو كان هشاً، وتتماهى مع تفاصيل ربما لا تُشبهك في شيء فقط بسبب طول مقامك معها، وتألف حتى مشاكلك وصراعاتك، وخيباتك وإخفاقاتك.. بل وحتى اضطراباتك وأمراضك! أو حتى تعتاد - في المقابل - على مناقبك، وفضائل من حولك وما يحيط بك، وتألف ما يحيط بك من الخير والنعيم، ومن الآلاء والنعم فلا ترى فيها جمالاً يُذكر، ولا حبوراً يُذخر، ولا فضلاً يُحمد، ولا نعمةً تُشكر! بل على العكس! توقظ فيك حس المقارنات والنقم، والنظر بعين السخط التي لا تُبدي لك إلا المساويا ! ولو جئت بعينٍ غريبة للاحظت ما لم تلحظ، ولرأتْ ما لا ترى، ولأدركتْ فيك ما لم تعِه وتتنبّه عليه.. من الجمال والحُسن، أو الفوضى والاضطراب.. أو غيرهما من الأحوال والمقامات. لذلك فعين الضيف دائماً ما تلاحظ ما لا يلاحظه أصحاب المنزل، وعين الغريب تلتقط ما لا يُدركه أهل البلد.. لأنها أصبحت محيطهم الذي يسبحون فيه ولا يستطيعون إدراكه. ولعل ذلك أدعى إلى التنبّه والاستيقاظ، والبُعد عن طول الاعتياد، وأخذ الأحوال كضمانات مقيمة أبداً، وخلع روح الدهشة للتفاصيل، والإهمال لوضع الأمور في نصابها.. والإنسان بطبعه يميل للتعوّد والاستئناس بما أدمن المقام عليه، لكن من المهم إدراك خطورة (الإغراق) في الألفة لأنه يستجلب التبلّد ليس فقط عن ملاحظة وإدراك الفوضى والنقائص، إنما كذلك عن إدراك الجمال والمناقب حتى تُصبح الذات متبلّدة الشعور، متجمدة الإحساس، متكلسة الانفعال والتفاعل باختصار.. موتٌ صغيرٌ على نحوٍ ما ! لحظة إدراك: من النافع أن يحوز المرء القدرة على الاعتياد، لأنها صفة إنسانية أصيلة تُمكنه من تسيير حياته، والوصول بمهاراته إلى مستوى الاحتراف، ولكن من المهم أن يُدرك أن (الاتزان) مطلب في الاعتياد والألفة، حتى لا يُميت الشعور بداخله، ويأخذ الحياة كضمانات، أو يُعمى عن المثالب والمزايا، أو يدخل في دركات التهلكة إن أدمن المُقام فيما لا يصح به أن يطول فيه!