14 سبتمبر 2025

تسجيل

حلبٌ قصدُنا

04 مايو 2016

أحب خطّ الرقعة، ومنذ أصبحت معلّماً وأدمنت أصابعي الطباشير البيضاء كان حرف الحاء يستهويني في كتابته على سبورة خشب، تصعد يدي من أسفل السطر بخطّ شبه مائل قبل أن ينعطف نحو اليمين في انحناءة خفيفة، كأنّك تثني سلك ألمنيوم وكأنّه الرقم ثمانية، ثمّ تقطعه بخطّ آفقي ينام في طمأنينة على السطر ذاته، وأنظر إلى الصغار في هدوء مبتسماً: هذا هو الحاء. ومن غير حلب تكتبنا بخطّ الرقعة؟ تبدأ بالحاء البسيطة، وتختم بالباء المنسدلة منتظرة نقطة الختام تحت السطر وليس آخره، وبينهما لام الفصل والوصل، تقف بينهما كلام الميزان بين قفّتين. لم يعد من ذلك الطباشير الأبيض غير ذكريات تفتّته في أصابع الذكريات، وقد رحلت معه السبورة السوداء، وتسارع تطوّر أدوات الكتابة، وتكفّلت عنا حجارة الكيبورد بكتابة حروف لا طعم لها، لكنّ حلب التي تغتسل باللهب والدم، مازالت تعد خطّ الرقعة باسمها الغابر الأثير.*حلب 1990 في مقابلة الدبلوم التربوي جاء دوري وصديقي الشاعر عامر الدبك للقاء الدكتور أحمد قدور، فسأله عن شرح : كلّما رحّبت بنا الروضُ قلنا* حلبٌ قصدنا وأنت السبيلوتناقشا في فكرة البيت التي تؤكد مكانة المدينة عند الشاعر الذي وجد ذاته فيها، بالرغم من تجربته الواسعة في الترحال، وسألني أتعرف مطلع القصيدة، فأجبت على الفور:ما بنا كلّنا جوٍ يا رسولُ* أنا أهوى وقلبك المتبولُ... فقال مندهشاً: أنت ناجح وكان ذلك من حسنات المساجلات الشعرية بين شباب القرية، وقد جعلتنا نستظهر كثيراً من الأبيات الشعرية الفريدة.اليوم أسأل نفسي: أين أجد مفردة (حلب)؟ في نصوص المتنبي وكشاجم، ودرويش وغيرهم؟ أم في الروزنا التي قدمت (حلب) منتهى الغاية ومحطتها النهائية، وجنّة صغيرة في أسطورة شعبية تناهبتها الروايات الشفاهية، وظلّ اللحن تردّده الديار الشامية كلّ يوم وليلة؟ أم هو البحر البسيط منفلتاً في شفاهيات من تعب حقيقي ضاقت بها الأقلام والدفاتر، أم مقام الكرد الحزين المتمدّد في حنجرة فيروز كأميرة مدلّلة؟ أم أنها حلب؟.