13 سبتمبر 2025
تسجيلكان سموُّ الأميرِ الـمفدى، في كلمتِـهِ التي ألقاها أمام أساتذةِ وطلبةِ جامعةِ جورج تاون في واشنطن، رجلَ دولةٍ ومواطناً عربياً في آنٍ، فسموُّهُ، كعادتِـهِ، تحدثَ بضميرِ الإنسانِ الـمُخْلِـصِ لأمتِـهِ، الذي يحملُ همومَها مدركاً عِـظَـمَ الـمسؤوليةِ الـمُلقاةِ على عاتقِـهِ كأحدِ قادتِـها، فكانت كلمتُـهُ بياناً سياسياً أخلاقياً شاملاً، بَيَّـنَ فيها مواقفَ بلادِنا الـمَبدئيةِ من جميعِ القضايا، الـموقفُ الأولُ، أنَّ بلادَنا حريصةٌ على لَعبِ دورٍ فاعلٍ في حوارِ الحضاراتِ، وهذا يشيرُ إلى مزيدٍ من التَّوَجُّـهِ نحو ترسيخِ قِـيَـمِ الـمُواطَـنَةِ واحترامِ الآخرِ والقبولِ به من خلالِ التعليمِ الـمُتطوِّرِ والإعلامِ الحرِّ، ويجعلُنا نسعى لبَذْلِ جهودٍ أكبرَ في سبيلِ مواكبةِ مسيرتِنا نحو تحقيقِ الرؤيةِ الوطنية لسنة 2030م، التي تشيرُ إلى وجوبِ إحداثِ التأثيرِ الحضاريِّ الإيجابيِّ لبلادِنا في محيطِها الإقليميِّ، ومحيطيها العربيِّ والدَّوليِّ. الـموقفُ الثاني، هو العلاقةُ الأبديةُ التي تربطُ بلادَنا بالشقيقةِ الكبرى في بيتِنا الخليجيِّ؛ الـمملكةِ العربيةِ السعوديةِ، فسموُّهُ، يقولُ بتواضعِـهِ وأدبِـهِ الجَـمِّ، وحكمتِـهِ كرجلِ دولةٍ من طرازٍ رفيعٍ، إنَّ بلادَنا، الصغيرةَ مساحةً، كبيرةٌ بدورِها وتأثيرِها النابعينِ من التزامٍ بالـمصيرِ الخليجيِّ الـمشتركِ الذي تقوم الـمملكةُ فيه بالدورِ الرئيسِ، هذا التصريحُ يجعلُ الجهودَ التي يبذلُها بعضُ الـمُغرضينَ غيرَ ذاتِ جدوى، لأنَّ القادةَ في خليجِـنا هم من أبنائه الساعينَ لترسيخِ وتمتينِ البنيانِ الواحد الذي يجمعُ شعوبَهم بعدما جَمَعَتْـها ووَحَّدَتْها أواصرُ الإسلامِ والعروبةِ والتاريخِ.الـموقفُ الثالثُ، هو الرؤيةُ الواضحةُ لِـما يحدثُ في سوريةَ الشقيقةَ على أنَّـهُ جريمةٌ ضدَّ الشعبِ والوطنِ السوريَّينِ، وأنَّ الانشغالَ بالتنظيماتِ العُنفيَّـةِ الـمُتشددةِ والنظامِ الأسديِّ دون النَّظَرِ إلى الشعبِ الـمذبوحِ الـمُشرَّدِ، يجعلُنا، دولا وشعوبَا، لا نرى الواقعَ الـمأساويَّ الذي يعيشُهُ السوريُّونَ، هذه الرؤيةُ لسموِّهِ، تُثْـبِتُ التزامَ بلادِنا بالتَّشَـرُّفِ بِـمَـدِّ يدِ العونِ للأشقاءِ السوريينَ في مجالاتِ التعليمِ والصحةِ والـمعيشةِ، وأننا نشعرُ بمِحنتِـهِم التي تعتصرُ قلوبَنا ألـماً وتدفعُنا لبذلِ مزيدٍ من الجهدِ لـمساعدتِـهِم لحينِ الخلاصِ من الـمَحْرقةِ الأسديةِ وما نتجَ عنها من جماعاتٍِ وتنظيماتٍ تعملُ ضدَّ تيارِ الإنسانيةِ والحضارةِ والـمَدَنيةِ، والوقوفِ معهم بعد ذلك في مرحلةِ بناءِ سوريةَ الـمستقبلِ.الـموقفُ الرابعُ، هو الالتزامُ الصارمُ بالانحيازِ للشعوبِ في صراعِها مع الاستبدادِ والديكتاتوريةِ، فحين يؤكِّـدُ سموُّهُ على أنَّ القضيةَ الرئيسةَ ليستِ الإرهابَ وإنَّـما الأسبابُ التي أدَّتْ لتَـفَـشِّـيهِ في بعضِ مجتمعاتِـنا، فإنه يضعُ يدَهُ على الجِـراحِ النازفةِ في الجسدِ العربيِّ. فمن يستطيعُ إنكارَ الحالةِ الشعبيةِ الـمُؤمنةِ بوجوبِ التغييرِ السلميِّ، التي سادتْ بعد سقوطَ الطُّغاةِ في دولِ الربيعِ العربيِّ؟ هذه الحالةُ الحضاريةُ، أُجْـهِضَتْ بقيامِ الثوراتِ الـمُضادَّةِ الساعيةِ لإعادةِ الشعوبِ إلى الـمربعِ الأولِ وكأنَّ آمالَها وتَطَلُّـعاتِـها وتضحياتِـها ودماءَ أبنائِـها أمورٌ لا قيمةَ لها.الـموقفُ الخامسُ، كان من الإرهابِ الذي أكَّـدَ سموُّهُ أنَّـهُ وجدَ حاضنتَـهُ الاجتماعيةَ في أوساطِ قِـلَّـةٍ من شبابِ الأمةِ القانطينَ من تغييرٍ سلميٍّ بعدما شاهدوا استماتةَ الثوراتِ الـمضادَّةِ في إعادةِ بناءِ هياكلِ الطغيانِ التي ثاروا لتخليصِ بلادِهِم منها. والذين وجدوا في الفِـكْـرِ الـمُتشدِّدِ البعيدِ عن روحِ الإسلامِ الحنيفِ وعدالتِـهِ وإنسانيتِـهِ ملجأً لهم. و كم كان سموُّه مُصيباً في توكيدِهِ على أنَّ الإرهابَ لا دينَ له، لأنه بذلك قَطَعَ خَطَّ الرَّجْعَـةِ على القَوَّالينَ الـمُغْرضينَ الذين لا عملَ لهم إلا النَّيْل من الإسلامِ كلَّما قامَ أحدُ الـمَنسوبينَ إليه بعملٍ ليسَ منه ولا يقبل به الـمسلمون.الـموقفُ السادسُ، صِـيغَ في عباراتٍ تؤكِّـدُ أنَّ بلادَنا تعملُ جاهدةً على ضمانِ استقرارِ مصرَ، ولا شأنَ لها بما تشهدُهُ الساحةُ الـمصريةُ من اضطراباتٍ اجتماعيةٍ ناجمةٍ عن أسبابَ داخليةٍ أدَّتْ إلى بروزِ ظاهراتٍ عُنْـفِـيَّـةٍ غريبةٍ عن الشعبِ الـمصريِّ الشقيقِ الذي نعرفُ مدى تَحَضُّـرهُ ومَدنيتـهُ. وهي أسبابٌ يحاولُ بعضُ الـمُغرضينَ إلصاقَها بالخارجِ واتِّهامِ دولٍ كبلادِنا بها في حملاتٍ دعائيةٍ تفتقرُ للحِسِّ الأخلاقيِّ، وتنعدمُ فيها الحصافةُ السياسيةُ، ورغم ذلك، يؤكِّدُ سموُّهُ، على أنَّ بلادَنا أكبرُ من الصغائرِ بالتزامِـهِ بفِعْـلِ كلِّ ما من شأنِـهِ إرساء الاستقرارِ في مصرَ.كلمةٌ أخيرةٌاختيارُ جامعةِ جورج تاون منبراً يُخاطبُ منه سموُّ الأميرِ الـمفدى العالَـمَ عن سياساتِ بلادِنا ومواقفِـها يدلُّ على حكمةِ سموِّه وإيمانِـهِ بأنَّ الخطابَ السياسيَّ لا يكونُ في الـمنابرِ الرسميةِ، وإنَّـما في الـمنابرِ التي تصنعُ العقولَ وتُـعِـدُّ قادةَ الـمستقبلِ.