14 سبتمبر 2025
تسجيلهو القلب إذا، هو تلك المضغة الصغيرة التي بصلاحها ينصلح الإنسان وبفسادها يفسد، من اسمه تستشعر تذبذبه وعدم ثباته، وقد قالوا قديما:ما سمي القلب قلبا إلا لتقلبه *** فاحذر على القلب من قلبٍ وتقليبِولعل هذا ما جعل مجاهدته من أعظم الواجبات، وجعل التنقيب فيه من أعسر المهمات، حتى إني أقف أمام كلمات يحيى بن يوسف أبو زكريا الصرصري البغدادي متعجبا منه وهو يشرح في شعره معاتبة نفسه ويقول:يا قسوة القلب مالي حيلـة فيـكِحجبت عني إفادات الخشوع فـلاوما تماديك من كسب الذنوب ولكن تماديك من كسب نشأتِ بهوأنت يا نفس مأوى كل معضلـةأنت الطليعة للشيطـان في جسدي ملكت قلبي فأضحى شر مملـوكِيشفيكِ ذكر ولا وعـظ يداويكِولـكن الذنـوب أراها من تماديـكطعام سـوءٍ على ضعفي يقويـكوكل داءٍ بقـلبي مـن عـواديكفليس يدخـل إلا من نواحــيكواشتد عجبي وطال حين علمت أن اخوف من تقلب هذه المضغة لم يخل منه أحد، حتى أكابر الأئمة الكبار كالشافعي رحمه الله، فهو القائل: ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت رجائي نحو عفوك سلماتعاظمني ذنـــبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظماإن قسوة القلب أحد أربعة أسباب للشقاوة كما يقول ابن دينار رحمه الله: (أربع من علم الشقاوة: قسوة القلب، وجمود العين، وطول الأمل، والحرص على الدنيا" وقد ذهب بعضهم إلا أنها أقسى العقوبات التي يبتلى بها الإنسان في حياته حتى إن سهل بن عبدالله جعلها في مقابل العقوبة المطهرة: (كل عقوبة طهارة، إلا عقوبة القلب فإنها قسوة". ويوافقه مالك بن دينار الذي يرى أنها أعظم عقوبة يبتلى بها الناس حتى إنها نذير من الله على فقد الرحمة فيقول: (ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب، وما غضب الله عزَّ وجلَّ على قوم إلا نزع منهم الرحمة" ويقول ابن القيم: (ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله..... ثم يقول: " أبعد القلوب من الله القلب القاسي، وخلقت النار لإذابة القلوب القاسية.فما هي قسوة القلب؟ وما دلائل وجودها؟ يجيب مجملا ذا النون بقوله (بحثه عن علوم رضي نفسه بتعليمها دون استعمالها، والوصول إلى حقائقها. — ويعمق المعنى أبو عبد الله الساجي إذا يرى كل ذكر أو حديث أو قول لا يوصلك إلى الله قسوة في القلب فيقول: "الذكر لغير ما يوصل إلى الله قسوة في القلب" وهذا أمر جلل، والأشد منه أن آثاره مهلكة، عددها بعضها ابن القيم رحمه الله فقال: من آثار القسوة:1 — تحريف الكلم عن مواضعه، وذلك من سوء الفهم، وسوء القصد وان كليهما ناشئ عن قسوة القلب.2 — نسيان ما ذكر به، وهو ترك ما أمر به علمًا وعملًا .قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ"3 — زوال النعم ونزول المصائب والنقم والهلاك: قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) أي: استحجرت فلا تلين للحق. وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فظنوا أنَّ ما هم عليه دين الحق، فتمتعوا في باطلهم برهة من الزمان، ولعب بعقولهم الشيطان. فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ من الدنيا ولذاتها وغفلاتها. حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ أي: آيسون من كل خير، وهذا أشد ما يكون من العذاب، أن يؤخذوا على غرة، وغفلة وطمأنينة، ليكون أشد لعقوبتهم، وأعظم لمصيبتهم. .4 — القلب القاسي أضعف القلوب إيمانًا، وأسرعها قبولًا للشبهات، والوقوع في الفتنة والضلال، قال تعالي: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) ومعنى قوله: وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ (أي: الغليظة، التي لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير، ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان، جعلوه حجة لهم على باطلهم، وجادلوا به وشاقوا الله ورسوله، ولهذا قال: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ أي: مشاقة لله، ومعاندة للحق، ومخالفة له، بعيد من الصواب، فما يلقيه الشيطان، يكون فتنة لهؤلاء الطائفتين، فيظهر به ما في قلوبهم، من الخبث الكامن فيها . 5 — سبب في الضلال، واستحقاق لعنة الله، وسخطه، وعقابه: قال تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) : فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أي: لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشرُّ الكبير. أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وأيُّ ضلال أعظم من ضلال من أعرض عن وليِّه، ومَن كلُّ السعادة في الإقبال عليه، وقسا قلبه عن ذكره، وأقبل على كلِّ ما يضرُّه. 6 — الفتور عن الطاعة، والوقوع في المحرمات، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.7 — الوحشة، والخوف الدائم، وعبوس الوجه، والكآبة.8 — التنافر بين القلوب، وشيوع الكراهية والبغضاء. قال تعالى: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) و(الفظاظة تنفر الأصحاب والجلساء، وتفرق الجموع.9 — غلظة القلب من علامة الشقاوة في الدنيا والآخرة.10 — قسوة القلب، والغلظة، والفظاظة، من صفات الظلمة المتكبرين. 11 — قسوة القلب، والغلظة، والفظاظة، سبب في دخول النار. فعن حارثة بن وهب عن النَّبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((أهل النار كلُّ جواظٍ عتلٍ مستكبرٍ)ولعلنا في المقال القادم نتحدث عن الأسباب والعلاج والله المستعان