15 سبتمبر 2025
تسجيلضعف فقوة فضعف، تلك مراحل الإنسان مجتمعة، وربما لاشتراكهم جميعا في ضعفهم الأول غاب عنهم الظلم، فكل مولود في حاجة إلى معين يقلبه ويحمله ويطعمه ويمسح عنه، وهنا لا يشتكي الأقران من بعض، لكنها أشهر قليلة وبعدها يمنح الباري بقدرته أهل الضعف قوة تمتد عبر حياتهم، لكن ما إن يرزق البعض القدرة أو بعضها إلا وينسى من كان جاره الذي لم يؤذه، فيبدأ البعض حالة الاستعباد لمن حوله، فيقهر هذا ويتسلط على غيره، ويعطي نفسه الحق في ظلم الناس بل واستباحة أعراضهم، فيتحول الناس بعدها إلى ظالم ومظلوم، وجبار ومستضعف، وهنا تأتي المفارقة العجيبة؛ الجبار المتكبر في الأرض بغير حق، له شركاء كثر يمدونه بما يعينه على ظلمه وتسلطه، بينما لا يجد المستضعف له من أهل الأرض نصيرا إلا من ندر! وعدل الله القائم يأبى أن تضيع الحقوق، فتوعد أهل البغي والضلال ممن استذلوا رقاب الناس بالانتقام منهم: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) لكن هذه اللغة لا يفهمها الطغاة حروفا، بل يفهمونها صواعق تقتلعهم من جذورهم ( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) إنهم حمقى ولن يفلحوا ( إنه لا يفلح الظالمون ) وظلمهم يمدهم في غيهم ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) فلا تعجب من هلاكهم ( هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) ولا تبصرهم بمقاعدهم فهم سائرون إليها (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) ولا تغتر بكثرة من حولهم ممن على شاكلتهم، ممن غرتهم وعودهم، ومنحوهم أمانيهم حتى صدقوا أكاذيبهم وما انتبهوا إلى قوله -جل شأنه-:( بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا) بل إن صح أن نحزن فالحزن على من تبعهم، وصدقهم، وصار في ركابهم، وتولاهم واستضعف أهل الصلاح؛ لأنه قد صار مثلهم "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"، وكلما ضاق عليك صدرك انظر إليهم ساعة الموت (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) أو استمع إليهم ساعة الحساب (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) وقد صدق ميمون بن مهران حين قال: (الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء ). أما والله إن الظلم شؤم وما زال الظلوم هو الملوم إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم ستعلم في المعاد إذا التقينا غداً عند المليك من الظلوم لكل مكلوم، ولكل مظلوم، ولكل مستضعف، لا تتعجل على هلاك من ظلمك، ولا تظن بربك ظن سوء، لن يهمل الله ظالما قط، ومن شك في ذلك فليراجع عقيدته.أيها المظلوم صبراً لا تهن إن عين الله يقظى لا تنام نم قرير العين واهنأ خاطراً فعدل الله دائم بين الأنام وإن أمهل الله يوماً ظالماً فإن أخذه شديد ذو انتقام