26 أكتوبر 2025

تسجيل

في وداع أبطال الروايات

04 فبراير 2015

في مقابلة تلفزيونية تتكلم روائية عربية عن أنها حزينة للفراغ من روايتها، لأنها عاشت شخوص روايتها الماضية، ولم تنسهم تماماً لتكتب غيرهم، وفي هذا السياق يمكن أن نتساءل أيضاً: هل يحزن القراء عند فراغهم من قراءة عمل روائي؟ هل يعزّ عليهم فراق أشخاص عزيزين عليهم كانوا معهم قبل قليل، قبل أن تنطوي الصفحة الأخيرة.أزعم أن كثيراً من القراء يعيشون حزناً حقيقياً بعد قراءة عمل روائي، فالشخوص الذين ألفناهم وصادقناهم على مدى صفحات كثيرة، قلّبناها بعسر بداية القراءة، وتجهّمنا في وجوه جيراننا الجدد، قبل أن نتعرف إليهم تماماً، ونجد من يشبهونهم في الواقع، ونتباطأ في قراءة الصفحات الأخيرة، واقفين على عتبة الوداع، راسمين لهم صوراً تطابق كثيراً شخوصاً من لحم ودم مرّت بالقرب منّا.في أيام الطفولة وقفنا على أبطال التمثيليات في المجلات الملوّنة المرسومة بريشة فنانين محترفين، وفي اليفاعة تسلل إلينا السندباد وحمزة البهلوان وأبطال السيرة الهلالية، الذين ماتوا في التغريبة، كانت نهاية التغريبة محزنة جداً، فقد حلّت لعنة الزناتي خليفة على الجميع، وتساقط الجميع في الربع الأخير من القصة، ومن هذا فإن كثيراً من روائيي العرب يؤجل موت أبطاله إلى الصفحات الأخيرة لأنه متعاطف جداً مع شخصياته، فيجاملهم على حساب مقتضيات الشرط الفنّي للرواية. ثمة أبطال كثيرون رفضوا التلويح لي عند الغلاف الأخير، بل حطّوا خفافاً على باب الروح، يخطرون ضيوفاً خفيفي الظلّ، على مفارق اللحظات الصعبة، فمنهم ذاك الفتى الأسمر القادم من أعالي النيل وهو ييمم شطر الشمال قبل أن يعود به الطيب الصالح، رجلا كهلاً لايكاد يعرفه أحد، ومنهم الفتى الطائر خلف أحلامه يلهث وراء الروائي عادل أبو شنب، و لابدّ أن يحطّ الرحال عند شيخ الرواية العربية نجيب محفوظ وأنا أحمل معه هموم أحمد عاكف الذي وجد نفسه فجأة أباً لعائلة قبل أن يتزوج، ثم أسافر إلى بلاد ماركيز لأقرأ خيبات العاشق الشاعر وهو يكابد حتى لاينسى برغم الكوليرا والحركات السياسية المضطربة. شخصيات أحسبني نسيتها، لكنها تظهر لي فجأة عند منعطف صغير، تخيفني وترهبني أحياناً، وأحياناً ترشّ الماء عليّ لأستيقظ، شخصيات ملأت حصالتي الأدبية، ولم أكسر جرّتي بعد، فما زلت أضع فيها مصروفي اليومي من القراءة.