12 سبتمبر 2025
تسجيليقترب الأدب العربي من استعادة شعر المهجر، الشعر الذي أضاف إلى الأدب العربي ألواناً جديدة، عرف فيها العربي معنى الاغتراب والحنين والبحث عن الهوية المفارقة، وإن كان بعضٌ مما سبق قد أضيء بأكثر من صوت شعري، كاغتراب امرئ القيس الطارئ، ومالك بن الريب، وحنين شعراء الفتوح ومن جايلهم، إلاّ أن شعراء المهجر أعادوا سيرة الحنين بتموضع مختلف، تختفي فيه سيرة الفتح والدين الغالب، وتنمو فيه سردية موازية، الفتح هنا لايتعدى فتح باب الرزق في بلاد غريبة، ليس الفتي العربي فيها إلاّ "غريب الوجه واليد واللسان"، ولكن تلك المعاناة غذت عود الأدب العربي المعاصر، واستقام به، واستوى على ساق حداثته، وكان يمكن لهذه الموجة الصغيرة أن تمضي واسعاً في اليمّ لولا امّحاء الأبناء في الهويات الجديدة، ولم يعد الجيل الأول إلاّ مجرد ذكرى عزيزة، مقطوعة عمّا بعدها.ولكن الظروف الموضوعية التي جعلت من الوطن العربي بلاداً طاردة لعقولها ومبدعيها وكثير من كفاءاتها، بعد الاستقلال الذي أعقبته حكومات وطنية، جاءت في ظروف مرتبكة، وأمام إرث ثقيل، واحتلال فلسطين؛ جعلها أسيرة ارتجالات متنافرة المسعى، وضيقة الأفق من جانب آخر، وهذا ما أودى بالمبدعين بالهرب إلى فضاءات أكثر أماناً ودفئاً وأمناً، وتأتي قضية فلسطين فينزح أبناؤه إلى جهات الأرض الأربع، وكانت كتيبة المهجريين الأولى من اللبنانيين والسوريين، وفي الأمريكيتين برزت أسماء جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، وميخائيل نعيمة، وشفيق معلوف، وإلياس فرحات، ونسيب عريضة، وغيرهم.هاجر الفلسطينيون إلى البلاد العربية، ولا نعثر إلا على أسماء قليلة متناثرة في المهاجر الغريبة كإدوارد سعيد في الولايات المتحدة، والشاعر حسين راشد، والروائي حليم بركات في المكان ذاته، ورغم أن أصواتاً هنا وهناك إلا أنها لم تشكّل ظاهرة كجماعات المهجر التي كثرت في البرازيل والأرجنيتن والولايات المتحدة.تأتي الهجرة العراقية الممتدة منذ عام 1990 وحتى الآن، وشملت قطاعات واسعة من المبدعين العراقيين في مختلف ضروب الكتابة، هاجروا إلى البلاد العربية كسورية والأردن والخليج واليمن وتونس، وإلى الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا، ومن الصعوبة بمكان حصر أسماء المهاجرين، إلا أنه من الواجب القول إنهم شكلوا ظاهرة في كثير من البلدان التي استوطنوها، وكان نشاطهم ملحوظاً، فأسسوا المنتديات والجماعات الأدبية، رغم أن منهم من عاد في السنوات الماضية إلى بلده.تبقى الهجرة السورية (ولعلها الأخيرة) ففي النزوح السوري الأكبر بعد تحوّل البلاد إلى ساحة حرب، هاجر قسم كبير إلى تركيا ومصر وبلاد الخليج والأردن وأوروبا وأمريكا، وبدأت تظهر سمات الأدب المهجري في النصوص الجديدة.غير أن المهجريين الأوائل سيظلون الأكثر تأثيراً، لأكثر من سبب، منها أن قرار الهجرة الأول كان بهدف اللاعودة ومن هنا فقد كان حنينهم قاسياً، عكس المهاجرين الجدد، الذين لم يقطعوا صلتهم بالبلاد ويتوقعون الوصول إليها بأسرع مما يفترضه واقع الأحداث، ثم إن وسائل الاتصال الحديثة أفسدت كلّ ما يأخذ بالحنين والشوق إلى منارة الشعر.