15 سبتمبر 2025
تسجيلكنت أرى ميخائيل أحيانا، أراه عابرا في طريق أسلكها، أوواقفا في متجر، أدخله بغرض التسوق أو الفرجة، لكن هناك مرتين لصقت فيهما صورته بذهني، بشدة. مرة حين رأيته، وكان على ظهر جواد مرتفع، وفي يده اليسرى مروحة حمراء، من القماش، يهزها بتناغم، كان طربوشه لامعا جدا، حذاؤه بنيا، بسيور من الجلد، تمتد حتى منتصف الساقين، وقد ترك قميصه، مفتوحا قليلا، وثمة شعر أسود داكن، يرقد في الصدر، ويتنفس عبر فتحات القميص. بدا لي أخاذا، وخارجا لتوه من قصيدة: إغواء، لشاعري الإسباني المفضل: ريماس:كان خوان نصف قمر،ونصف شمس إن أردت أيضا.كان طويلا، ربما أطول من التاريخ،وعميقا، ربما أعمق من التراث،وكانت عيناه تشبهان زهرة،هو يقول ذلك، وتقول الطبيعة: لاالزهرة هي التي تشبه عينيه،كان يحمل بعض الرياح الطيبة،ورمى لي حفنة منها،ويحمل رسائل الجنود القدامي لحبيباتهن،وأهداني طريقة كتابتها.لم يكن بقربنا نهر ليمسك به، ويهديه إلى،ولم تكن ثمة صحراء، ليلغها تماما عن البصر.نعم، لقد علق بذهني في تلك المرة، وكنت أتوقع أنه تعلق الاضطراب القديم، ذي الرعشات البلهاء، الذي يضحكني كلما تذكرته، لكني الآن في العشرين، وعدت من مصر، أحمل عالما جميلا، أحاول رسمه هنا، وقد تورد خداي أكثر، والتهبت مشيتي أكثر، وامتلك جسدي شخصية مميزة، وأحمل حقيبة من جلد تمساح حر، على كتفي، معبأة بأدوات زينتي، وأحس بأن ثمة حليبا دافئا مطمورا في صدري، وأستطيع بلا مشقة كبرى أن أقيم حوارا بناء مع القبح، وأقنعه بضرورة أن لا يصير قبحا.كانت مدينة السور، محاطة بكثير من القرى المبعثرة، وحاضرة لمنطقة ممتدة وغنية، كانت في الحقيقة، ميدان فوضى كبيرا، ولم يعرف أحد أبدا أن هناك علما للجمال، يدرس بعيدا، ومن أساسياته، محاربة السفاهة، والكلام النابئ والسيطرة على الفوضى، حتى لو صدرت من ديك، يطارد دجاجة ساعة النزوة. قلت للسيد رضاوي ذات يوم، وكان تركيا، متخصصا في بيع الماء، من آبار حفرتها له الدولة المستبدة، وقيل إنه قريب حاكم السور دامير، وكان يزورنا بحكم علاقته بوالدي، قلت له وألاحظ انتفاخ بطنه بصورة غير خلاقة بالمرة: علم الجمال يعتبر بطنك ساحة معركة، يتقاتل فيها فارسان شديدان، ومن المفترض أن ينتصر الذي يمحوها تماما. كان التركي قاسيا، كعادة أهله الذين لازمتهم صفة قمع الدنيا منذ أن عرفوا الدنيا. فلم يبتسم ولم يطالب بأي تفسير لمقولة علم الجمال التي أجزم أنه لم يفهمها، ورماني بكوب من الفخار كان أمامه. يومها لم ينخدش حتى أنفي الذي لامسه الكوب، ولا تحطم سوى الكوب الفخاري الهش، وخاصمني أبي لفترة، نعم صديقي، خاصمني ولم يقل إنه ندم على إرسالي لدراسة علم الجمال، فقط فهمت بأنه قال ذلك في سره.