10 سبتمبر 2025
تسجيلالشباب في مصر هو قضيتها الأساسية، هم زاد التغيير وعصبه، وهم حاجة الوطن ومستقبله، وتتحول قصة الثورة والشباب إلى قصة السلطة والشباب، ليرى الشباب حلمهم ينطفئ، وتتحول العلاقة من حوار واجب إلى استبداد يبدأ على استحياء لينتهي واقعا مريرا. ناقش يوسف شاهين وصلاح جاهين هذه القضية مبكرا في فيلم "عودة الابن الضال" عام 1976، وكان علي المدبولي رمزا لشباب جيل الثورة ويصف صلاح جاهين حال هذا الجيل على لسان علي في أغنية الشارع لنا بقوله "مشوار بديته وقلبي بالأمل مليان... جمل الطريق عضني وطلعت أنا خزيان... أحلى ما في الحلق طعم المر للذكرى... شوفوا المرار لما يبقي حلو يا جدعان"، وترد الأغنية على علي المدبولي: "كان وعد منك وحلم منا قالت الشفايف شافت عيونا قوس الشتوية سبع تلوان"، وكأنه حوار بين جيل الثورة وجمال عبدالناصر، لينتهي الفيلم بحمام دم وقتل وكأنه استشراف لما يحمله المستقبل، وما كاد الفيلم يعرض حتى انفجرت الحرب الأهلية اللبنانية وكان الظن أنها حدود الانفجار، ولكن الأيام قالت إن توقعات رؤيتهما تتجاوز وتمتد بالزمن 37 عاما لتشمل دول عربية متعددة ومصر كذلك. علي عبدالعظيم شاب من شباب يناير، طالب بنهائي آداب إسباني، يملك قدرة غنائية أدت إلى فوزه بالمركز الثاني في إحدى المسابقات خلال أكتوبر الماضي. لينضم إلى دور الغناء في الثورة المصرية، أغان أغلبها تحمل شجن الألم والأنين، ولكنها تعبير عن جيل بأكمله غير طبيعة العلاقات في مصر. علي ابن أسوان، والمنتمي للجعافرة، ابن النيل والسد العالي، إضافة اخمن لون آخر. في وسط القاهرة بالأمس كانت مظاهرات لطلبة هندسة القاهرة بسبب مقتل طالب بالكلية أثناء مظاهرة الأسبوع الماضي، ليدخل معهم طالبان الإخوان ويحاولوا دخول ميدان التحرير، وفي الوقت ذاته كان شباب الثورة يحاول أن يتجمع بميدان طلعت حرب لموقف من قانون التظاهر، لتبدأ عدة مواجهات بين الأمن وبين هذه التجمعات الشبابية، لتمتد بالشوارع الخلفية لوسط المدينة، وكأن الشباب صار هو قضية المواجهة، واختفى الحوار السياسي، وكأن هناك من يريد للأمر انفجاراً جديداً في لحظة يحتاج الوطن للحمة بين أطيافه، ودائما ما يقولون ابحث عن المستفيد؟ فهو وراء ذلك كله. هناك في وسط القاهرة شوارعها الرئيسية، وأيضا الخلفية، وخلف مقهى ريش الشهير، هناك ممر يصل إلى مقهى زهرة البستان، في ريش يجتمع سياسيون ونخب، وفي زهرة البستان علي شارع يصل بين شارعي صبري أبوعلم وشارع هدى شعراوي يتجمع غير النخب والسياسيين حرافيش الثورة، حيث يحيل جرسون المقهى "أيمن" العلاقات إلى بيت للعائلة. في آخر الليل يتجمع الشباب يتداولون قصص اليوم والأخبار، ليصل علي عبدالعظيم ويصيب الجميع بحيوية، ويجلس بين مجموعة ويبدأ الغناء دون موسيقى، ليصمت كل الجالسين ويسمعوا. أضاف علي للغناء أمرا آخر، أنه لا يغني فقط بين أصدقائه أو على المقهى، ولكنه يغني أمام أقسام الشرطة ومباني المحاكم عندما تكون هناك قضية تمس شباب الثورة، وما أكثر هذه القضايا. تم القبض على مجموعة من الشباب أمام مجلس الشورى في اليوم التالي لإعلان قانون التظاهر، وقامت الشرطة بفض التجمع الخارج على قانون التظاهر، ولم يكن الفض مواكبا فقط لما يمنعه قانون التظاهر ولكن تم خلاله ممارسة أساليب قديمة تعود إلى ما قبل يناير 2011. جرى التحقيق مع الشباب في قسم التجمع الخامس، وذهب علي مع رفاقه إلى هناك وجلسوا أمام القسم الذي يحيط به الأمن المركزي من خلف حواجز حديدية، لتبدأ سلسلة مشاهد تكشف معدن الشباب المصري على جانبي الحاجز الحديدي، بدأ علي بالغناء أمام الجنود بأغنية لمحمد منير من فيلم حدوتة مصرية، والأغنية تحمل ذات اسم الفيلم. وجذب صوت علي ضباط شرطة شباب أخذوا يتقاطرون واحدا وراء الآخر ليسمعوا ثم يبتسموا ويشاركوا في الغناء، مشهد يجري تداوله على صفحات الإنترنت، وينتهي المشهد بعناق بين علي وضابط شرطة، وكأننا أمام نهاية العالم عندما نظر البعض للموقف أنه دعم هنا أو هناك، ولكن الحقيقة أنه معدن هذا الشباب أيا ما كانت وظيفته، أو الزي الذي يرتديه. هذا العناق الوجداني بين شابين مصريين واجهه على جانب آخر تصريح من مستشار الرئيس المؤقت للإستراتيجية والذي بدأ دوره مستشارا سياسيا دون معرفة لما يعنونه من تغيير المسمي الوظيفي، ينفي فيه أن لقاءات ستتم مع شباب الثورة لمراجعة قانون التظاهر وكأن هذه اللقاءات عار يجب التخلص منه بنفيه، وكأن أيضاً إصدار هذا القانون وممارسات الداخلية التي تعود إلى ما قبل يناير ليست انتحارا من سلطة مؤقتة كان مقدرا لها أن تكون سلطة بروتوكالية وليس سلطة تحديد العلاقات بين شباب الثورة وغايات الثورة العليا. هناك فجوة تتسع بين السلطة المؤقتة وبين المواطنين، والشباب هو العنصر الحيوي والفعال في كتلة الشعب. قدمت السلطة لنفسها بقانون التظاهر، وقانون منع رسومات الجرافيتي على الحوائط التي أرخت للثورة، يعاقب بالسجن أربع سنين وغرامة 100 ألف جنيه بينما القتل الخطأ عقابه سجن ثلاث سنوات وغرامة ستة آلاف جنيه، وقانون الإرهاب، وقانون حماية الوزراء، سلطة تنتحر غير عابئة بما يترتب على ذلك، وأيضا يبقى سؤال من المستفيد من إزكاء حالة التوتر هذه؟ علي المدبولي هو رمز لشباب الثورة بعد 1967، جيل بأكمله، وعلي عبدالعظيم هو رمز للمواجهة بالوجدان بعد ثورة يناير، كلاهما يعاني من طعم المر في الحلق ويستسيغه، يقبل به ولكنه يحاول التخلص منه والعودة للأمل. القوانين إن لم تخدم الحوار داخل المجتمع هي قوانين العناد والصدام، فمن هو المستفيد من جراء هذا؟ سؤال معلق بلا إجابة حتى الآن.