11 سبتمبر 2025
تسجيلالتبعية للغرب هي السمة الرئيسة التي شكلت سياسة الدول العربية واقتصادها بعد الاستقلال الصوري الذي حققته في الخمسينيات والستينيات. لكن قوى الاستعمار الجديد وجدت أن نشر ثقافة الغرب وإلهاء الجماهير وإخضاعها وإضعافها هو أهم الضمانات الاستمرارية التبعية السياسية والاقتصادية. والنظم الحاكمة في الدول العربية وجدت أن ارتباطها بالغرب أهم وسائل حمايتها في مواجهة شعوبها التي كانت تريد أن تتمتع بامتيازات الاستقلال الذي كافحت من أجله. وأهم هذه الامتيازات الحرية والديمقراطية والعدالة، إذا درسنا الإنتاج الأدبي العربي سوف نلاحظ أن التبعية للغرب قد تزايدت في هذا الإنتاج خلال الستينيات، وفي دول خاضت تجارب كفاحية مهمة ضد الاستعمار مثل مصر والجزائر. كان تزايد ظاهرة التبعية في الأدب نتيجة لتشجيع السلطات التي تشكلت عقب الاستقلال من مجموعة من الشخصيات المتغربة ثقافياً رغم أنها كانت ترفع شعارات الاستقلال. ما هذا التناقض وكيف نفسره؟ كيف يمكن للسلطات التي تشكلت عقب الاستقلال والتي ادعت أنها تستمد شرعيتها من هذا الكفاح، ومن الإنجاز الوطني الذي تحقق بفضل الكفاح الوطني، وكيف يمكن لوزارات الثقافة في دول مثل مصر والجزائر والعراق أن تشجع على فرض التبعية للغرب في الإنتاج الأدبي؟! الأخطر من ذلك أن تلك الوزارات قد حاربت الإنتاج الأدبي الذي ارتبط بالحركة التي أسهمت بشكل كبير في تحقيق الاستقلال وهي الحركة الإسلامية، وحاربت أي اتجاهات إسلامية في الأدب، أي أنها فرضت التبعية الأدبية فرضاً، ولم تسمح إلا ببعض الإنتاج الذي يشوه صورة الشخصية الإسلامية، أو يفسر التاريخ الإسلامي تفسيراً مادياً متغرباً. يمكن أن نلاحظ أيضاً أنه في الوقت الذي رفعت فيه بعض الدول العربية مثل مصر شعار القومية العربية، كانت وزارة الثقافة تشجع الإنتاج الأدبي الذي يمجد القطرية ويزيد من عوامل الفرقة والتشرذم والخلافات وتشكيل صور نمطية لشعوب عربية أخرى. كما أنه يمكن أن نلاحظ أن الأدب العربي قد تبني التفسير المادي الطبقي لحركة الحياة والتاريخ، وبالتالي دارت معظم الروايات التي أنتجت خلال الستينيات على الصراع الطبقي وتجاهلت الكفاح ضد الاستعمار حتى في رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ يمكن أن نلاحظ أنه صور الأنبياء فتوات الحارة بأنهم قادة حركة الصراع الطبقي. عندما نقارن ذلك بمحاولة مؤرخين عرب تصوير الفتوحات الإسلامية بأنها نتيجة لرغبة العرب في الحصول على موارد جديدة بعد أن ضاقت بهم جزيرتهم... وهو تصوير مادي مستمر من كتابات المستشرقين ويهدف إلى التزييف والتزوير وبناء صور نمطية لصالح الاستعمار الغربي ولم يكن هدفه تصوير الحقيقة. يوضح ذلك أن الأدب قد استخدمته السلطات المستبدة عقب الاستقلال لتزييف وعي الأمة، ولفرض التبعية عليها. فهذه السلطات لم تكن تريد الاستقلال الشامل ولم تكن قادرة على تحمل تبعاته أو الكفاح من أجل تحقيقه، وكانت تخاف من شعوبها التي كافحت ضد الاستعمار... ولذلك استخدمت الأدب لإلهائها حتى لا تواصل الكفاح ضد الاستبداد والاستعمار الجديد... وكان تشجيعها للتبعية في الأدب من أهم الأسلحة التي استخدمتها السلطات المستبدة ضد الحركة الإسلامية التي كافحت ضد الاستعمار ولتحقيق الجلاء. هذه السلطات المستبدة أرادت أن تلهي الشعوب بالصراع الطبقي كبديل للكفاح ضد الاستعمار، وأرادت أن تفرض فكرة أن الحياة مادة... فإن كانت الحياة كذلك فلا ضرورة لكفاح ضد الاستعمار والاستبداد... لذلك فإن أمتنا لابد أن تكافح لتحرير أدبها وثقافتها من التبعية للغرب لتستخدم الأدب كسلاح في كفاحها من أجل الحرية.