10 سبتمبر 2025

تسجيل

من هم أهلك ؟

03 أكتوبر 2023

من المعاني الدارجة لمعنى (أهل) معنى الأقارب، ومن ترتبط معهم بصلات الدم، وغالباً ما يُنسى السياق الآخر وأبعاده لمعنى الأهل والأهلية. فمن المعاني القيّمة لكلمة أهل التي تستحق النظر، وتستوجب التدّبر معنى (الاستحقاق) فأن أكون - مثلاً - أهلاً للثقة أي مستحقةً لها، وأن تكون مستحقاً لأمرٍ مادي أو معنوي يعني أنك أهلٌ له (ننطقها استاهلها بالعاميّة الدارجة). لذلك لو تأملنا لوجدنا أن هناك أهلا للحق، وأهلا للباطل، وأهلا للجنة وأهلا للنار، وأهلا للثقة وأهلا للمحبة.. الخ وهناك ما هو أعظم وأجمل وأرقى.. (أهل الله وخاصته). فأهلك ليسوا فقط أقرباءك بصلات القربى والدم أو الزواج والمصاهرة، وإنما هم كذلك ممن اخترت أن يكونوا لكَ أهلاً تستحقهم ويستحقونك. فاختر من تصاحب أن يكون لكَ أهلاً، وانتقِ ممن حولك من يكون مستحقاً لمحبتك وودك، ومحل ثقتك وحفظ سرك أهلاً لصحبتك ومنادمتك. وانتقِ لنفسك كذلك من أطايب الصحب والمعارف ممن تتطلع أن تكون أهلاً لودهم، ونجاحهم، وخيريتهم، ممن يسرّك أن تُحشر معهم اسماً ومعنى، في الدنيا والآخرة. هذا الانتقاء هو اختيارٌ مُبجّل، لأن المرء يتحمّل فيه كامل المسؤولية في الاصطفاء، دون أن يضطر إلى إلقاء اللوم على أقاربه وبني جلدته ودمه الذين قضى معهم دهراً يشكي فيه سوء أوضاعه، ويعلل بهم ترّدي حاله، ويبكي ألم جرحهم أو إهمالهم وتقصيرهم، أو سوءهم وشرهم، ويشكي منهم عدم سد حاجته للمحبة والوداد، أو لومهم على عدم التشجيع والتحفيز، ويعوّل عليهم الأسباب لبؤسه وشقائه، وفشله وإخفاقه. فالعالم واسعٌ الآن لتتخيّر منه من تشدّ به عضدك، وترتقي فيه تطلعاتك للأفضل والأحسن، من يحتويك وترمّم به أسوارك، وتُقيم به ما انقضّ من جدرانك، تجد عنده ما افتقدت، وتسدّ به جوع شعورك للألفة والانتماء، من يُشابه طيب دواخلك، ونقاء سريرتك، أو من تلقى عنده ما تأمل له من الصفات والسمات، وما تتطلّع إليه من الخير والطيب. فالخيار اليوم بيدك لتنتقي من هم لك أهلا، ومن أنت أهلٌ لمصاحبته ومن تطمح لأن تكون على شاكلته، تُحشر معه هيئةً وصيتاً، وتوسم معه بما تتطلع إليه من طيب القول والفعل ودوام حُسن الأثر. لحظة إدراك: من رحمة الله الواسعة أن يعوّض، ويُبدل، أن يلطف ويرحم، وأن يوّسع لك الاختيار ويترك لك حُرّ الإرادة، فلا يغدو أمامك بابٌ مُغلق إلا ويُفتح مقابله ألف باب. الأمر بيدك أن تطلب ما تريد من مشربٍ واحدٍ، أو أن تتحسس لطف الله ورحمته فترى المشارب المتعددة. فإن لم تجد من بني جلدتك من هو لك صاف ونصير، فالعالم أمامك أرحب وأوسع، انتقِ منه ما شئت يكن لك أهلاً وتكن له كذلك.. فلا تُضيّق واسعاً!.