10 سبتمبر 2025
تسجيلهل يمكن تأجيل الحديث عن وقائع الداخل المصري والمنطقة على وشك الانفجار في وجه أهلها؟ وبأيديهم؟ هل رصاصات جماعة الإخوان والجماعات الإرهابية ونداءات الاستغاثة والحديث عن قوافل الجثامين، هي مقدمة لأزمة لاستدعاء صواريخ "توما هوك" الأمريكية إلى القاهرة؟ وإن لم يكن الأمر كذلك، فلماذا سيمفونية الدم والرصاص والحرق ومواجهة الجيش المصري؟، هل هذه الرصاصات المتناثرة يمكنها أن تغير واقعا؟، وهل هذه الرصاصات القاتلة دون تمييز يمكنها أن تفتح أبواب القبول الشعبي لمن يطلقها؟، وهل من يطلق رصاصات القتل هو المتهم؟ أم من صاغ الرصاص عقيدة للتعامل مع المجتمع؟ الدم يصبغ أفق اللوحة المصرية بلون رمادي، وليس لونا أحمر كما هو لون الدم، وهو ذات لون أفق اللوحة العربية، رمادية اللون رغم نزيف الدم في ربوعها. العلاقة بين لون الدم ولون الأفق، هي العلاقة بين الدم والقرار. خمس وحدات بحرية تابعة للأسطول السادس الأمريكي تقبع حاملة صواريخ توما هوك انتظارا لأوامر قصف الأراضي السورية، لأن هناك اتهاما باستخدام أسلحة كيميائية وغازات لقتل ما بين 1000 إلى 1500 من أبناء الشعب السوري!، ومن سيتخذ القرار، الرئيس الأمريكي، الحاصل على جائزة نوبل للسلام!، ولماذا؟، عقابا لسلطة استخدمت ضد شعبها أسلحة الدمار الشامل!، هل هناك أكثر من هذا تلاعبا بالعقل؟، وهل هناك أكثر من هذا كذبا وخداعا؟، بالقطع لا، فالحارس الأمين على الشعب السوري، الرئيس الأمريكي هو ممثل لدولة إنتاج الدمار والقتل، في المنطقة العربية، وهو وحده صاحب القرار، وما عداه هو رتوش على الصورة إن لم تنفع فهي لن تضر. من أهم التصريحات الإستراتيجية الأمريكية، بعيدا عمن يرفضون مقولة المؤامرة، تصريح قال به روبرت جيتس آخر وزير دفاع أمريكي مع جورج دبليو وبوش وأول وزير دفاع في إدارة أوباما، كان التصريح مواكبا لأسئلة عديدة عن دور المخابرات المركزية الأمريكية فور تفكك الاتحاد السوفييتي أول تسعينيات القرن الماضي وكان روبرت جيتس في حينها رئيسا للمخابرات الأمريكية، قال جيتس: "إن ما أطلق عليه صراع الشرق والغرب بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا، كان صراعا بين وجهي الحضارة الغربية، ولكن الآن يبدأ الصراع بين الغرب وبين الشرق الحقيقي وفي القلب منه الإسلام"، هذه حقيقة الإستراتيجية الأمريكية، حتى وإن استخدمت هذه الإستراتيجية الإسلام لصناعة فيالق الإرهاب في الدول الإسلامية ابتداء بقتال الإلحاد السوفييتي في أفغانستان لمواجهة الإلحاد، وانتهاء بفرق القتل والتفتيت للمنطقة العربية. هي إستراتيجية وليست مؤامرة، لها رؤيتها، ومهامها، وأدواتها، ولا تتغير سواء كانت الإدارة الأمريكية من المحافظين الجدد أو هي من الحزب الديمقراطي. كتب الأستاذ محمد حسنين هيكل ــ أعانه الله على تحمل تبعات حريق مكتبته التي كانت لمصر وليس له شخصيا، وأرجو أن تكون للوثائق أصولها التي احتفظ بها دائما بعيدا عن إمكانية القرصنة كما قال مرة من قبل عام 1971، وأن يكون ما احترق صورا يتعامل بها ــ قال في كتابه "آفاق الثمانينات" على لسان اندروبوف زعيم الاتحاد السوفييتي السابق ورئيس الكي جي بي من قبل: "يمكن لأي زعيم دولة من دول العالم الثالث أن يطلب منا أي شيء، غير أن نطعم شعبه"، كانت الضائقة الاقتصادية قد حاقت بالقطب الثاني في عالم ذلك الزمن، ولكنها أيضاً مقولة تنم عن توجيه إستراتيجي لأي زعيم، أطعم شعبك من ناتج عرقه ولا تتسول الطعام. كان ذلك زمن الحرب الباردة، أو الردع المتبادل بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن في عالمنا الآن، والذي مازال أحادي القطبية، ويد أمريكا وإسرائيل مطلقة فيه، خرج تصريح من روسيا الاتحادية يقول إن روسيا لن تقاتل دفاعا عن سوريا، أي أن إستراتيجية روسيا الاتحادية هي "عض الأصابع"، وليس تحمل مسؤولية قطع الأيدي. المصالح تتكلم وليس ما يمكن تسميته التحالفات، فالتحالف يبقى قائما حتى لحظة انطلاق المدافع، ومن يملك إمكانية اتخاذ قرار الحرب، تبقى الساحة الدولية أمامه مفتوحة. ويخرج علينا موقفان متناقضان، واحد من لندن والآخر من القاهرة، فقد رفض مجلس العموم البريطاني الاشتراك في العملية العسكرية على سوريا، وكتب روبرت فيسك بأنها "أغبى حرب غربية في تاريخ العالم الحديث". ويبرر الرئيس الأمريكي اتجاهه لضرب سوريا بأنه يريد وضع حد يمنع تجاوز «الخط الأحمر» بشأن استخدام السلاح الكيماوي مستقبلا في الصراع في هذا البلد. لكن النائبة بمجلس العموم البريطاني سارة ولاستون ردت عليه بالقول إن أمريكا هي نفسها من تجاوزت هذا الخط عندما استخدمت الفسفور الأبيض في العراق، واستخدمت السلاح الكيميائي في الفالوجة تحديدا. وكتبت في صحيفة «الجارديان» تحت عنوان «لماذا قمتُ بالتصويت ضد التدخل العسكري في سوريا؟» تقول: كيف لا يعد الفسفور الأبيض الذي استخدمته أمريكا في العراق سلاحا كيميائيا؟ ربما لأن أمريكا هي فقط من استخدمه؟ هذا ما يجري في لندن، أما في القاهرة، فيقول المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية: إن الجامعة لا تعطي الضوء الأخضر أو غيره، بل إننا نتحدث في إطار القانون الدولي ضمن أهمية الأزمة السورية من المنظور العربي، وكذلك من المنظور الأخلاقي والسياسي والإستراتيجي. إطار ومناظير، وقانون دولي وأخلاقيات وسياسة وإستراتيجية، وكأني بكل ضحايا الشعب السوري والعراقي والفلسطيني والجزائري واللبناني يصرخون بالرجل: "أعربي أنت؟". من المؤكد أن كل الأزمات التي مرت بالمنطقة العربية كان للجامعة موقف، ولكن عندما تضع الأزمة السورية أوزارها، سيسجل لنبيل العربي أنه أمين جامعة الدول العربية الذي كتب شهادة وفاة الجامعة وميثاقها. وخرج شخص اسمه فهد المصري متحدث باسم المعارضة السورية باتصال تليفوني من خارج سوريا كما قال للمذيعة التي سألته بذكاء أين هو، إلى فضائية مصرية خاصة، منددا بتأخر التدخل الغربي!، والحركات السياسية والثورية عندما تواجه سلطة الاستبداد، تحيا فوق الأرض وتجعل من شعبها ظهيرا لها، ولكن عندما تستعين بالعدو التقليدي لوطنها، ولا أقول لنظام الحكم فيه، تخلع عنها رداء الانتماء لهذا الوطن، تماما كما كانت أصواتهم تعلو بالتكبير والغارة الإسرائيلية تضرب مواقع داخل سوريا. على الذين يسعون لإسقاط نظام الحكم في سوريا الحذر من ضياع سوريا، وإن ضاعت سوريا فإن زلزالا سيطول كل المنطقة العربية، وأول ما سيضرب سيضرب مصر. إن الخطر يحيط بمصر، والحديث أن عام 2015 هو عام الانتهاء من أمر مصر على أجندة المهام الأمريكية لا يجب تركه دون اعتبار. الاعتبار الأول قبل السياسة والثورة والحرب، ألا يطلب أي زعيم من أحد أن يطعم شعبه، ولن ينتج شعب طعامه إلا إذا اعتقد يقينا بأنه يملك زمام أمره، وأن إرادته تعلو فوق القوة. الاعتبار الثاني قبل الثأر للدم، أن في عالم السياسة ليس هناك إبادة لوجود تنظيمي، ولكن الكيانات التنظيمية والعقائدية تتآكل من داخلها، وعندما يلفظها مجتمع، يصبح ملأ الفراغ مسؤولية المجتمع، بكل مستوياته. والاعتبار الثالث لملئ الفراغ، يبدأ بخطاب سياسي واضح يحمل القوة والصدق والشجاعة، يتحدث به من يعطي الرمز للوطن، ودرس يناير العظيم، أن الرمز للوطن لا يتمثل في فرد، ولكن الرمز للوطن هو إرادة شعبية تملك الرؤية وجسارة التعبير عنها. والاعتبار الرابع أن صبغة الأرض بالدم لا تحول دون ضرورة تجاوز رمادية الأفق. والاعتبار الخامس أن رمادية الأفق مصدرها التردد في إدراك معنى الثورة بأنها علم تغيير المجتمع، والمجتمع لا يتغير بتغير الأشخاص فيه، ولكن التغيير في جوهره هو إعادة ترتيب للقوى الاجتماعية داخل المجتمع. إن التغيير ليس بتغيير أوجه يذهب منها البعض ويعود البعض للمشهد وكأن الذاكرة قد أصابها العطب. والاعتبار السادس وهو أن الثورة ليست عملية انتقام ولا هي مفتاح للانتهازية السياسية، قد يجد البعض نفسه متصدرا للمشهد، وهو في تاريخه لم يقدم مبررا وحيدا لاحتسابه لصالح الثورة، إن المشاهد الحالية هي من صنع حالة التصحر السياسي، إنها إطلالات جديدة لعناصر نظام ثار عليه الشعب، سواء كانت هذه العناصر ضمن حزب أو جماعة حكمت، أو كانت ضمن من عايشها سياسيا، وكان غايته أن يبقى في المشهد السياسي، ينطق بما يعجب الشعب، ويفعل ما يتيح له البقاء على حساب آلام الشعب. والاعتبار السابع أن مهام الفترة الانتقالية وإن كان قد زاد عليها مواجهة خطر الإرهاب ورصاص الجريمة السياسية وصواريخ توماهوك الأمريكية، فإن الفترة الانتقالية كانت قبل بزوغ كل هذه الحقائق تدور وخطر الوجود الإسرائيلي في الشرق مصدر رئيسي لتهديد الأمن القومي. الاعتبار الثامن أن الوجود الحقيقي للثائر الملتزم بقضية مجتمعه، يرتبط بمدى انتمائه لهذا المجتمع، أرضا وشعبا، وأن حديثا بمفاهيم إنسانية تتجاوز حق الحياة وتسبق ضرورات الوجود، هي انحراف ببوصلة الثورة ودور الثائر، هي حالة انتحار. إن الحديث عن "العدالة الانتقالية" كبديل لإرادة الثورة في التغيير، والحديث عن مصالحات يدفع ثمنها نقدا، هو إعادة إنتاج لنظام الفساد ومؤسساته. إن الثورة لم تضع قانون التطهير وممارسة الحياة السياسية لعناصر المجتمع، وعلى ذلك فإن إحالة أمر التطهير إلى قوانين نشأت في نظام يجري تغييره هو إعادة لنظام الفساد والاستبداد دينيا كان أو غير ديني من باب خلفي وهو مدخل الانقلاب على الثورة. إن الكلمة الرئيسية لعنصر القوة في المجتمع تبدأ من إدراك مكوناته كما تريدها إرادة الشعب وتحتاجها. إن كل محاولة لحصار الجيش المصري بادعاءات ممن لو ترك لهم الأمر لعايشوا أي نظام لأن أساس مطلبهم هو طموحات ذاتية، إن هذه المحاولات هي بالأساس تفريغ الأمة من عنصر حمايتها وحائط الصد الوطني الأول. إن من لا يقف احتراما لعلم الوطن ونشيده القومي لا يستحق الحياة فوق أرضه.