11 ديسمبر 2025
تسجيليقول المفكر الإيراني علي شريعتي: «شكراً لكل انسان انشغل بطريق الجنة بدلاً من اثبات ان الاخرين سيدخلون النار». تنتشر في مجالسنا واعمالنا كثيرا ظاهرة سهولة الحكم على الاخرين ووضعهم في قوالب من صنعنا نحن بأنفسنا فنقول مثلا: سيئ، تافه، سارق، قبيح، سمين…. وغير ذلك من الصفات والاحكام الجاهزة التي نطلقها بناء على الخبرات والبيئة والتجارب السابقة لهولاء. قد يكون اطلاق الاحكام لأسباب معلومة مثلا للنيل من الاخرين والانتقاص منهم لأنهم افضل منه، ولجذب الانتباه له باعتبار انه هو الوحيد من يملك حقيقة من حوله. ولا يقتصر اطلاق الاحكام على الاخرين انما قد يصل الى الأبناء في الاسرة الواحدة، او الطلاب في الفصل الواحد مما يكون له اثر سلبي في بناء شخصية الطفل لاحقا. وهذه الظاهرة شائعة بالشرق الأوسط اكثر منها في الغرب للأسف، فهناك يبدو الناس مشغولين اكثر ببناء وتطوير ذاتهم، حيث اعتادوا أن تكون النظرة للشخص ليس بناء على دين او لون انما هي نظرة محايدة غالبا وقدر المستطاع. ومن الملاحظ أيضا انه كلما تقدم السن بالشخص كلما زاد انشغاله بنفسه اكثر وترك الحكم على الاخرين وما لا يعنيه منهم، مصدقا لتلك المقولة الشائعة التي تقول: من راقب الناس مات هما. ان اتخاذ الأحكام الخاطئة والتسرع في اطلاقها يسبب التوتر في العلاقات الشخصية بين الناس في كل مكان، وخصوصا في بيئات العمل مما يسهم في تعطيل الأعمال وتشجيع عدم الإنجاز، وهو امر ليس بالسهل، فظاهر الأمور يختلف تماماً عما تراه، لذلك لابد ان تدرك ظروف الشخص وما كان يمر به ليصل الى هذه المرحلة التي تبدو لك واضحة وظاهرة فتتخذ أحكامك بناء عليها فحسب، وهذا لا ينطبق على الافراد فقط بل أيضا على المجتمعات والشعوب والدول. «افلا شققت قلبه؟» قالها الرسول الكريم للانصاري الذي قتل الرجل عندما نطق بشهادة لا اله الا الله في المعركة، حيث اعتبر الانصاري ان الرجل لم ينطق بتلك الشهادة إلا خوفا من السلاح ولذلك أقدم على قتله، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك السؤال الاستنكاري الخالد ليعلمه ان لنا الظاهر ولله السرائر، وعليه فلا يجب أن يحاكم المرء بمجرد الشك وبمجرد أنه يعتقد ان ما يظهره عكس ما يبطنه. وللتوقف عن اطلاق هذه الاحكام علينا دائما تدريب أنفسنا على رؤية من حولنا من الناس بحياد وموضوعية وإدراك أن الكمال لله عز وجل وحده، وهذا يعني أن علينا الانشغال بتطوير أنفسنا والنجاح والانجاز والارتقاء بمن حولنا. وايضا النظر الى الاخرين بإيجابية مما يعزز مكانتنا لدى الاخرين، فلا يوجد شخص خال من العيوب، لكن هناك فئة تعمل على اصلاح عيوبها قبل الاخرين. دع الناس لرب الناس والذي يقول في محكم آياته: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ». وانشغل بنفسك ولا تتسرع بالحكم على الآخرين، فقد تظلم عزيزاً وترفع رخيصاً، ذلك أن عشاق التأليف كثيرون للأسف، وكل هذا وبيني وبينكم.