11 سبتمبر 2025

تسجيل

إلى الرئيس أولاند (1/2)

03 أغسطس 2016

"بونجور"، أو "بونسوار"، أو "بون ميدي"، هذا ما عرفته من أدب الحياة، وأنا أدبّ في درب الثالثة عشرة، على يد المدرّس الزاهد دخيل أوسي. ومن أيامها كنّا محسوبين على فرنسا، بشكلٍ أو بآخر، لأنّنا أولاد الفلاحين البسطاء الذي لا واسطة لهم تمكّن أولادهم من تعلم الإنجليزية. كان الأستاذ دخيل يجتهد أن يعلّمنا الحروف الصوتية الصعبة التي عانى من تعلّمها برجوازيّو باريس، ونبلاؤها الجدد. سيّدي الرئيس؛ أنا أحب فرنسا، أحبّ فيكتور هيجو، وميراي ماتيو، وجان جاك روسّو وفولتير والروائي (الأزعر) بلزاك، والكئيب البير كامو، وأحبّ غافروش وكوزيت وجان فالجان، وأتذكر دائمًا شكل مدام تيناردييه، حين يقرأ لنا المدرس العبقري محمد بشير صالح، الذي يبكي حين يتحدث عن فانتين المرأة التي حوّلها ظلم باريس إلى عاهرة. أنا أحب فرنسا؛ أحبّ فريقها الذهبي أيام بلاتيني وجيريس، ونسخته التالية التي فازت كأس العالم بفضل (زيداننا) شيخ الشباب، أنا أحب فرنسا جريدة الإيكيب التي حاولنا قراءتها ونحن صغار ولم ننجح، فقصصنا صور الرياضة، وعلقناها على الجدران. أحب فرنسا الصعلوك رامبو، ومركبه السكران، أحب فرنسا ريجيس دوبريه وديباجته البارعة التي ليس لي إلا أن أدهش في ثناياها، أحب فرنسا مطبخ الفكر الجديد من وجودية جان بول سارتر، إلى بنيوية سوسيير ورولان بارت صاحب موت المؤلف، أحبّ طاعون كامو، وأكره "ذباب"، وأقطع الدروب التي مشاها "ريمي" المكسين مع فرقة سيرك فقيرة. أحبّ طواف فرنسا، وفولارها الأصفر، وراءها الباريسية، ونهر سينها، وحيّها اللاتيني، وجامعتها السوربون، وشوارعها في (أديب طه حسين) وروعتها في دهشة الطنطاوي، وعزة نفس شعرائها في رواية سيرانو دي بيرجراك. أنا لم أزر باريس، قال لي دخيل أوسي يومًا: إذا بقيت على هذا المستوى حتى الصف العاشر سأرسلك إلى فرنسا، لم أزرها لأني طالب كسول، ولم أزرها فيما بعد لأن السياحة ليست لأمثالنا، ولم أزرها لاجئًا، لأنّ متاحًا من الهواء لا يزال في رئتيّ، ولأنّي اخترت منفاي قبل فصل الربيع العربي. [email protected]