13 سبتمبر 2025

تسجيل

أعلام وأفكار

03 يوليو 2015

إن الاختلاف في حقيقته مظهر من مظاهر التيسير والثراء العلمي والتنوع الفكري، فليس عيبا يذم ولا خطأ يعاب، ما دام مبنيا على أصول علمية، واجتهادات سائغة، ذلك إن مادة الخلاف لا يمكن حسم مسائلها، وطبائع الناس، وبيئاتهم المتغايرة، وقدراتهم المتباينة، وعقولهم المختلفة، لا يمكن توحيدها، واعتبار الخلاف بهذا المفهوم الذي يراعي الطبيعة البشرية والضرورة العصرية: أحد أسباب واقعية الإسلام وعالميته، قال تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ).وعليه فالاختلاف المشروع وفق الأصول المتبعة ليس بضار، وإنما يأتي الضرر عند انتقال الاختلاف من التنوع إلى التضاد، ومن التعايش إلى الإقصاء، فيدعي كل طرف أنه يحمل الحق المطلق، وغيره يحمل الخطأ المحض، وافتراض كون الصواب لا يتعدد، ويجعل من هذه الفرضية، مسلمة عقدية، ليكون مخالفه بذلك إما فاسق أو مرتد أو كافر، لأنه في تصوره خالف الإسلام والحق، ولم يخالف فهمه أو تصوره، الأمر الذي أدى إلى تجاوز حدّ الاعتدال في الحكم على الأغيار، "ولو أنّا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له، قمنا عليه، وبدعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة"..كما كان من أثر غياب المنهج المعتدل عند البعض: تفرق الأمة الواحدة إلى اتجاهات: تتعارض ولا تتوافق، وتتصادم ولا تتلاقى، فالغالي في القدح له ضوابط يسير وفق أصولها، والمتساهل المفرط له قواعد مدرسة يسير في ركابها.وقد يرفع البعض شعار الالتزام بالمنهج العلمي في الحكم على الناس، ثم يكون البون واسعا بين المنهج الصحيح والتطبيق القائم، مما يعني أن سلامة المنهج وحدها لا تعني دائما الخاتمة الصحيحة، ما لم يلتزم بها المتصدر للحكم على الناس عند التطبيق.وقد يعتذر البعض بصعوبة تطبيق المنهج المعتدل، نظرا للطبيعة الفكرية أو المذهبية التي تحكم المتصدر للحكم على الأغيار، فكانت هذه الدراسة التي تبين عن مثال واضح لعلم من أعلام الأمة الإسلامية أقام العدل في الحكم على الأغيار في سفر ضخم من مؤلفاته بتجرد وإنصاف كبير، لتنقض تلك الدعوى، وتكشف عوارها.من الظواهر السلبية في المجتمع الإسلامي: ظاهرة التعصب عند البعض، والتعصب يطلق ويراد به في اللغة: المحاماة والمدافعة. وقد يراد به التشدد في أمر وعدم سماع آراء الآخرين أو الانتصار لطائفة مُعينَة.وهذا ما نود طرحه في النصف الآخر من رمضان المبارك، ذلك أن المتتبع للساحة الفكرية يدرك أن التعصب لتيار أو جماعة أو توجه أو مذهب أمر قائم وموجود، يشتد فيه البعض ويبالغ فيه آخرون، ولا يخلو عصر منه، وآفة المتعصب أن صاحبه يوالي ويعادي وفقا لتوجه الحزب أو الجماعة وافق الحق أو خالفه، لينتقل التعامل مع الحزب من كونه وسيلة لتحقيق مبادئ إسلامية إلى كونه غاية يسعى الأتباع إلى نصرتها، وهذا ما أوصل البعض إلى تجاوز حد الاعتدال عند الحكم على الناس، والسبب فيه غياب المنهج المعتدل في الحكم على الأغيار الذي يحجب من تمسك عن التعصب أو المبالغة فيه.