11 سبتمبر 2025

تسجيل

والله يريد أن يتوب عليكم

03 يونيو 2015

لا ينكر أدنى راصد للقرآن العظيم كثرة الحديث فيه عن العصاة مع جميل رحمة الله بهم، ويكفى للتدليل على ذلك قوله جل شأنه: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)وقوله (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وقوله (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وعشرات الآيات التي تسير وفق هذا السياق.لكن ابتعد عن هذا السلوك أحد اثنين:1 — رجل اعتقد ذنبه أكبر من تناله رحمة الله عز وجل حتى أيس من رحمة الله وشرا اعتقد.2 — ورجل وقع فريسة لبعض الجهلة الذين يقنطون الناس من رحمة الله، ويجعلون من أنفسهم وذواتهم وكلاء عن الله في الأرض، فهذا كافر وهذا فاسق وهذا مرتد! دون أن يعطونا سندا أو نصيفه من هذه الوكالة الحصرية! متغافلين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين؛ أحدهما مجتهد في العبادة، والآخر كأنه يقول: مذنب، فجعل يقول: أقصر أقصر عمَّا أنت فيه، قال: فيقول: خلِّني وربي، قال: حتى وجده يومًا على ذنبٍ استعظمه، فقال: أقصر، فقال: خلِّني وربي، أبُعِثتَ علينا رقيبًا؟! فقال: والله لا يغفر الله لك أبدًا، ولا يدخلك الله الجنة أبدًا، قال: فبعث الله إليهما ملكًا، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عنده، فقال للمذنب: ادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: أتستطيع أن تحظر على عبدي رحمتي، فقال: لا يا رب، قال: اذهبوا به إلى النار)، قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده، لتكلَّم بكلمة أوَبْقَت دنياه وآخرته.إن رحمة الله واسعة، وإن فتح الباب أمام العصاة مهمة الدعاة، وتيسير الامر لهم حتى يحسنوا الظن دون الاتكال، وشبيه ذلك مثلا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم —: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك)فشطر الحديث الأول يدفع إلى العمل إذا الجنة قريبة والشطر الآخر يدفع إلى عدم التكاسل وبهذا يحدث التوازن.إننا ونحن على أعتاب الشهر الكريم يحسن بنا أن نحبب الناس في الله، وأن نوسع لهم دائرة القبول، وان نستقطبهم حتى تشرق قلوبهم بنور الإيمان، وأن نخبرهم أن الذنوب لا ينبغي أن تكون سدا أمام توبتهم إلى الله مهما بلغت مستحضرين في ذلك أرجى حديث في السنة كما قال بعض أهل العلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله — صلى الله عليه وسلم — يقول: قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة.إن رحمة الله أوسع من أن يضيقها ضعاف العقول قساة القلوب، فهي رحمة تفوق رحمة الأم على رضيعها، فعن عبدالله بن أبي أوفى الأسلمي: قال خرجت فإذا رسول الله — صلَّى الله عليه وسلَّم — وأبو بكر وعمر قعودًا، وإذا غلام صغير يبكي، فقال رسول الله — صلَّى الله عليه وسلَّم — لعمر: (ضمَّ الصبيَّ إليك؛ فإنه ضالٌّ)، فضمَّه عمر إليه، فبينا نحن قعود إذ أمٌّ له تُوَلْوِل — أظنُّه قال: — وتقول: وابنيَّاه! وتبكي، فقال رسول الله — صلَّى الله عليه وسلَّم — لعمر: (نادِ المرأة فإنها أمُّ الصبي)، وهي كاشفة عن رأسها ليس على رأسها خمار جزعًا على ابنها، فجاءت حتى قبضت الصبي من حجر عمر، وهي تبكي والصبي في حجرها، فالتفتتْ فلمَّا رأتْ رسول الله — صلَّى الله عليه وسلَّم — قالت: واحرباه ألا أرى رسول الله — صلَّى الله عليه وسلَّم — فقال رسول الله — صلَّى الله عليه وسلَّم — عند ذلك: (أترون هذه رحيمة بولدها؟)، فقال أصحابه: بلى يا رسول الله، كفى بالمؤمن رحمة، فقال رسول الله — صلَّى الله عليه وسلَّم —: (والذي نفس محمد بيده، الله أرحم بالمؤمن من هذه بولدها).ومن جميل ما ذكر العلامة ابن القيم حول هذا المعنى عن بعض الصالحين أنه رأى في بعض السكك بابًا قد فُتِح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمُّه خلفه تطرده، حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه ودخلت، فذهب الصبي غير بعيد، ثم وقف مفكرًا، فلم يجد مأوى غير البيت الذي أُخرِج منه، ولا مَن يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزينًا، فوجد الباب مرتجًا مغلقًا، فتوسَّده ووضع خدَّه على عتبة الباب، ونام، فخرجت أمُّه، فلمَّا رأته على تلك الحال، لم تملك أن رمت بنفسها عليه، والتزمته، تقبِّله وتبكي، وتقول: يا ولدي، أين تذهب عنِّي؟ مَن يُؤويك سواي؟! أين تذهب عنِّي؟ مَن يؤويك سواي؟! ألم أقل لك: لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك، والشفقة عليك، وإرادة الخير لك؟ ثم ضمته إلى صدرها، ودخلت به بيتها، فتأمل قولها: لا تحملني بمعصيتك على خلاف ما جُبِلت عليه من الرحمة بك، والشفقة عليك.إلى كل من أذنب حتى أمعن وأخطأ حتى يأس من إصلاحه، وأسرف حتى بلغه الجهد معصية وبعدا عن الله، إليك نقول: الله يحبك، ويوم أن تقبل عليه سيقبل عليك ويغفر ما كان منك واستمع معي إلى هذا الحديث: عن أبي هريرة — رضي الله عنه — عن النبي — صلَّى الله عليه وسلَّم — فيما يحكي عن ربه — عزَّ وجلَّ — قال: (أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال — تبارك وتعالى —: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال — تبارك وتعالى —: عبدي أذنَب ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنَب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال — تبارك وتعالى —: أذنَب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئتَ فقد غفرتُ لك). اللهم بلغنا رمضان وأصلح أحوالنا وتول أمرنا واجمعنا على الخير والرشاد