12 سبتمبر 2025
تسجيلتابعت "ماردين" عبدالله الحامدي بشغف، الوثائقي الذي ظلّ على رفّ الانتظار كثيراً حتى تفاجأنا بموعد عرضه، كنت سعيداً بالوجوه والحكي "المردلّي" والموسيقا التي جمّعت حزن الشرق المديد، وإن كانت ماردين تعني وردة النار التي تلوّح لنا في ليالي الجزيرة، ونحن نسلك الطريق الممتدّة من عامودا إلى القامشلي؛ فإنها تعني لشاعرنا عبدالله الحامدي الكثير، تعني ديار العائلة التي تناثرت في ماعون الجغرافيا، إثر سقوط الدولة العثمانية، الحامدي يعود إلى الجذور باحثاً عن سيرة العائلة بين الحجارة والبيوت، عن السلالة التي نثرت نار الحرف المقدّس سنين عدداً، كان عبدالله يُسدّدُ فاتورة الحنين وهو يذرع درب السلمون إلى مضارب الأسلاف، باحثاً عن صوته الذي تقسّم في أصواتٍ كثيرة، في مدينة ماريّا ابنة دارا الفرس، حين جاءت إليها مستشفيةً فأقامت فيها وإليها نسبت.بعدسة شاعرة يكتب الحامدي ماردين، ببيوتها الفقيرة، وقلعتها الشاهقة، وسوقها القديمة، ومقام الريحاني الذي تختص به الثقافة المردلّية، والوجوه الأليفة التي تشاهد ما يشبهها في القامشلي، الماردليّة العرب والأكراد والسريان، مؤذني المساجد، ومطارنة الكنائس، والعمال، وصاغة الذهب، لم تكفِ مساحة العرض (قرابة 25 دقيقة) كي نقف على بلاد المقامات والمساجد ومدارس العلم، وأهمّ محطّات الحجيج في الطريق إلى مكّة المكرّمة، البلد التي تؤوي فلاّحيها القادمين من القرى إذا أظلم عليهم الليل، وتفخر أنها مدينة بلا فنادق لأن كلّ بيوتها مأوى للغرباء، المدينة التي شبهتها إحدى سيداتها بسفينة عائمة في بحر أخضر، لأن ربيع الجزيرة لا يشبه أي ربيع، وشبهتها أخرى بعقد ألماس يضيء ليالي ما بين النهرين.كانت الذاكرة السورية مشغولةً بعينتاب وأورفة وماردين ونصيبين وديار بكر بعد سايكس بيكو، وهاهي بعد مائة عام تعود واقعاً سورياً، تبدّلت فيه مسارات الحنين، واتجاهات الشوق، وصار يلزمنا أن نطلّ من أعالي قلعة ماردين إلى بلادنا المخضّبة بالموت والآهات، إلى القرى التي هدّمتها الحرب، ونكتب بصوتٍ فيروز ابنة أورفة وماردين "يا جبل البعيد.. خلفك حبايبنا" إنّ ما كتبه الزميل عبد الله الحامدي بعدسته، ينضاف إلى جهد السينما الوثائقية في قراءة تضاريس المكان الذي تجعّدت فيه أرواحنا، المكان البعيد عن هموم الخبر العاجل، والقريب من قلوبنا بكلّ تأكيد.