04 أكتوبر 2025
تسجيلفي تطور لافت خلافا للعادة، وجه وزير المالية السعودي إبراهيم العساف انتقادات لمؤسسات دولية تحت ذريعة منح المملكة معدلات نمو منخفضة نسبيا. والحال كذلك فيما يخص درجات الائتمان. لكن لم يقدم الوزير إحصاءات بديلة لتلك المنشورة عدى القول بأن مستوى النمو المتوقع يجب أن يكون أعلى وبأن المملكة تستحق درجات ائتمانية أفضل ممنوحة. وجاء حديث الوزير على خلفية نشر تقارير من قبل صندوق النقد الدولي بخصوص مستوى النمو الاقتصادي للملكة من جهة ومؤسسة ستندارد أند بورز العاملة فيما يتعلق بالملاءة المالية للسعودية. من جهة أخرى. فقد قرر صندوق النقد الدولي تخفيض مستوى النمو الفعلي بعد طرح معدل التضخم من 6.8 في المائة في العام 2012 إلى 4.8 في المائة في 2013. حقيقة القول، قدم الصندوق حجج ليست بضعيفة لدعم تصوره وتحديدا الحد من مستوى نمو الإنتاج النفطي والحال نفسه بالنسبة للنفقات الحكومية وما لذلك من تأثيرات على موضوع النمو الاقتصادي. على أقل تقدير، لا يمكن الحديث حول فرضية استمرار النمو في الإنتاج النفطي السعودي في ظل الظروف الاقتصادية العالمية والتي تتميز بوجود تحديات في مختلف المناطق خصوصا الاتحاد الأوروبي. تعاني منطقة اليورو مثل اليونان وقبرص فضلا عن إسبانيا والبرتغال من تحديات تشمل التعايش مع التداعيات السلبية للمديونية العامة. على صعيد آخر، نجحت أسواق النفط في التعافي من حالة تراجع الإنتاج النفطي في ليبيا في أعقاب الثورة والتكيف مع المقاطعة الغربية للنفط الإيراني. وكانت السعودية، نظرا لما تتمتع به من قدرات وطاقات إضافية في مجال الإنتاج النفطي، قد عوضت الأسواق العالمية عن حالة النقص لهذين السببين. بيد أنه لا توجد حاجة فعلية لتعزيز مستوى الإنتاج النفطي في السعودية خلال 2013. ثم هناك معضلة التضخم حيث تشير التوقعات إلى ارتفاعه عن حاجز 3 في المائة سنويا. بل يعد التضخم أحد أسباب تراجع النمو للعام 2013 بالنظر لأن أرقام الصندوق تعكس النسب المعدلة لعامل التضخم. خلافا لما عليه الحال مع بقية اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، يتميز الاقتصاد السعودي بتأثره بعوامل لها علاقة بالاستهلاك القادم من الخارج وفي ذلك إشارة إلى موسم الحج والعمرة خصوصا العمرة الرمضانية. المشهور قيام ملايين المسلمين من الخارج بزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة. بل عززت السلطات السعودية في الآونة الأخيرة وهي محقة في ذلك من التسهيلات المرتبطة بدخول الزوار الأمر الذي ينصب في مصلحة اقتصاد الديار المقدسة. المشهور عدم تدخل السلطات المسؤولة عن شؤون الحج والعمرة في موضوع الأسعار بحجة ترك الأمور لعوامل العرض والطلب ربما تحاشيا بالتسبب في تشوهات في الاقتصاد لأن التدخل الرسمي يضر في بعض الأوقات. اللافت في هذا الصدد هو تقدير السلطات السعودية للدور الإيجابي للعمرة في خدمة الاقتصاد السعودي الأمر الذي يفسر بشكل جزئي على الأقل استصدار المزيد من التأشيرات وقبول المعتمرين على مدار السنة باستثناء موسم الحج. حتى الماضي القريب كانت العمرة بالنسبة لغير رعايا دول مجلس التعاون الخليجي تقتصر على سبعة شهور في السنة لكن تم التخلص من هكذا قيود. وخير دليل على تقبل المزيد من المعمرين هو زيادة عدد التأشيرات من قرابة 4 مليون تأشيرة قبل عدة سنوات إلى أكثر من 5.5 مليون تأشيرة في السنة حسب آخر إحصائية. وبالنسبة للملاءة المالية، فقد قامت مؤسسة ستندارد أند بور المتخصصة في مجال الائتمان بتغيير النظرة المستقبلية فيما يخص المدى الطويل للاقتصاد السعودي من مستقر إلى إيجابي. بل لم تلغ المؤسسة خيار تعزيز المستوى الائتماني للسعودية مستقبلا في ضوء الواقع الاقتصادي المريح والمدعوم بالأرقام. من جملة الأمور الإيجابية، أشار تقرير للمؤسسة إلى تحقيق متوسط نمو قدره 8 في المائة في القطاعات غير النفطية في الفترة ما بين 2005 و2012 ما يعد إنجازا. طبعا، تعني هذه الحقيقة الشيء الكثير بالنسبة للسعودية كونها أكبر مصدر للنفط الخام في العالم. كما تعكس هذه المسألة قوة القطاع الخاص في السعودية والذي بدوره يستفيد من موسم الحج والعمرة لترويج سلعه ومنتجاته. وللتدليل على سلامة الاقتصاد الكلي في المملكة، لا بأس الإشارة إلى ما جاء في تقرير حديث لمعهد التمويل الدولي والذي كشف النقاب عن العوائد النفطية للعام 2012 بالنسبة لاقتصادات جول مجلس التعاون الخليجي. فحسب التقرير، حصدت السعودية 352 مليار دولار على شكل عوائد نفطية في 2012 أي قرابة 47 في المائة من مجموع العوائد النفطية لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة.