13 سبتمبر 2025

تسجيل

استشهد أخي فادي مرتين

03 مايو 2024

كنت أشعر بالتعب حاولت أن أخذ قسطا من الراحة لعله يذهب الألم عن جسدي في هذا الوقت سمعت رنين الهاتف شعرت أن هنالك شيئا في الأمر لكن تعبي كان يجعلني أتمهل في النهوض لأعرف الأمر. نبرات الصوت وبعض الكلمات التي كنت أسمعها جعلتني أتيقن بأن هنالك مصابا كبيرا وزاد ذلك الشعور حينما نظرت لملامح من حولي. الأمر الذي جعلني التقط سماعة الهاتف مباشرة في تلك اللحظة كانت صرخات قريبتي على السماعة حينما جاءها ابنها ليخبرها بأن فادي استشهد. في تلك اللحظات لم أجد ما أقوله إلا «إنا لله وإنا إليه راجعون ربنا أجرنا في مصيبتنا وأخلفنا خيرا منها». أتبعت ذلك سجدة لله تعالى حينها تيقنت أن الثبات من الله سبحانه وتعالى وأنه الرحمن الرحيم على أنفسنا وقلوبنا. كان الجميع ينظر لي في انتظار الإجابة عن الشيء المهم الذي سمعته عبر الهاتف. قلت لعل الأمر التبس على قريبتي فلابد التأكد قبل إخبار من حولي بذلك فأخذت في محاولة الاتصال على الهاتف النقال لشقيقي فادي؛ ليجيب شخص غريب ويقول لي «الله اختاره ...فادي استشهد». في هذه اللحظة لم يعد هنالك أدنى شك وأن استشهاد أخي كان يقينا خاصة حينما رأيت أقاربي من الرجال يبكون. المصاب كبير والشعور يصعب وصفه حيث كنت أشعر أن قلبي يحترق وتارة أخرى أشعر أن قلبي يتمزق بكيت بكاء لا يعلم به إلا الله تعالى لكنه وحده من يثبت القلوب ويربط عليه الصبر الجميل. كان في ذلك الوقت في الثامنة والعشرين من عمره حيث كان يستعد ليبدأ خطوات حياته في تأسيس أسرة مسلمة جديدة له وأن يكون عريسا خاصة أننا كنا في مرحلة البحث عن عروس له، لكن يقينا أن الله برحمته وفضله اختار لها الأفضل وزف لحور العين بإذنه تعالى. الأمر لم يكن هينا بالمطلق على قلبي إلا أن الله عز وجل كان يخجلني في قوله بكتابه الكريم{...إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 153] وقوله تعالى{....وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 155]. كنت أحدث نفسي عن منزلة الصابرين والأجر العظيم الذي أعده الله لهم وأقول يا رب أخجلتني من كرمك كيف لي ألا أصبر وأنت مع الصابرين فماذا أريد أكثر من ذلك؟!. وأقول لنفسي ما أجمل أن يبشرك الله تعالى حينما تكون من الصابرين، هذا السند المتين والبشرى الجميلة كانت تجعلني ألقي على نفسي اللوم وأخاطب نفسي بحدة حينما أجد أن نفسي قل صبرها. يبدو أن الاحتلال بصواريخه الحاقدة لم يكتف بقتل أخي؛ بل تواصل حقده الأسود بقصف قبر أخي الأمر الذي أوجع قلبي. علمت بذلك حينما سمعت أحد أقاربي يتحدث عن حجم الدمار الذي لحق بإحدى المناطق حينما كان متواجدا فيها وأن المقبرة كذلك لم تسلم من شر الاحتلال. وقتها أخذت أردد «هنالك قبر أخي فادي... هنالك قبر أخي....» أردت في تلك اللحظة أن أجد إنسانا يواسي قلبي لكنني لم أجد فبكى القلب قبل أن تبكي العين حيث شعرت في تلك اللحظة أنه لم يعد وجود لأخي ولا حتى قبر نرتوي بزيارته.