14 سبتمبر 2025
تسجيلإن أعظم زينة يتزين بها المرء في حياته بعد الإيمان: زينة الصدق، فالصدق أساس الإيمان كما إن الكذب أساس النفاق، فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما يحارب الآخر. والصدق بمعناه الضيق مطابقة منطوق اللسان للحقيقة، وبمعناه الأعم مطابقة الظاهر للباطن، فالصادق مع الله ومع الناس ظاهره كباطنه، ولذلك ذُكر المنافق في الصورة المقابلة للصادق، قال تعالى: (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِين..َ). والصدق التزام بالعهد، كقوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ). والصدق نفسه بجميع معانيه يحتاج إلى إخلاص لله عز وجل، وعمل بميثاق الله في عنق كل مسلم، قال تعالى: (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ) فإذا كان أهل الصدق سيُسألون، فيكف يكون السؤال والحساب لأهل الكذب والنفاق ؟ والصدق من الأخلاق الأساسية التي يتفرع عنها غيرها، يقول الحارث المحاسبي: « واعلم - رحمك الله - أن الصدق والإخلاص: أصل كل حال، فمن الصدق يتشعب الصبر، والقناعة، والزهد، والرضا، والأنس، وعن الإخلاص يتشعب اليقين، والخوف، والمحبة، والإجلال والحياء، والتعظيم، فالصدق في ثلاثة أشياء لا تتم إلا به: صدق القلب بالإيمان تحقيقـًا، وصدق النية في الأعمال، وصدق اللفظ في الكلام «. وكل خلق جميل يمكن اكتسابه بالاعتياد عليه، والحرص على التزامه، وتحري العمل به، حتى يصل صاحبه إلى المراتب العالية، يرتقي من واحدة إلى الأعلى منها بحسن خلقه. ومن فضائل الصدق على المسلم أنه يُكتب عند الله صدّيقاً، ولذلك يقول - صلى الله عليه وسلم -: (وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق، حتى يُكتب عند الله صدِّيقا)، وكذلك شأن الكاذب في السقوط إلى أن يختم له بالكذب: (وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب، حتى يُكتب عند الله كذَّابا). ومن آثار الصدق وفضله ثبات القدم، وقوة القلب، ووضوح البيان، مما يوحي إلى السامع بالاطمئنان، ومن علامات الكذب الذبذبة، واللجلجة، والارتباك، والتناقض، مما يوقع السامع بالشك وعدم الارتياح، ولذلك: ((… فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة)) . ويوم القيامة يقال للناس: ( هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُم). وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن جزاء الذين يذعنون للحق، وسماهم سبحانه الصادقين وأن الذي ينفعهم هو صدقهم، والصدق شعبة مما طلبه الحق، ولكنه سبحانه جعله شعار المؤمنين، سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أيكون المؤمن جبانا؟ فأجاب عليه السلام: يكون المؤمن جبانا. وسئل: أيكون بخيلا؟ فأجاب عليه السلام: يكون بخيلا، وسئل: أيكون كذابا؟ فقال: لا يكون المؤمن كذابا». فالكذب والإيمان نقيضان لا يجتمعان، والإيمان يلازمه الصدق، وقد قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). إن المسلم يجب عليه أن يصدق القول بين الناس، فلا يروج عليهم كذبا، ولا ينشر بينهم شائعة، بل يصدقهم القول، ويتحرّى الصواب فيما يخبرهم به، ويتثبت فيما ينقله إليهم ولا يكن كحاطب ليل؛ فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع». ومن اعتاد الصدق حظي بالثناء الجميل من سائر الناس وثقتهم، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً}.