14 سبتمبر 2025

تسجيل

السخرية والأدب

03 أبريل 2018

كنت شاهدت مرة شريطاً سينمائياً مأخوذاً من رواية عن شخص منحوس كما يطلق عليه، واستمتعت كثيراً بتلك المواقف الساخرة التي كانت تصادفه من دون غيره من الناس، حين يجلس على مقعد مكسور في قاعة كل مقاعدها سليمة ما عدا المقعد الذي جلس عليه، أو تغلق البوابة الإلكترونية للمطار في وجهه دون غيره من المسافرين، أو تسقط سيارة يستقلها في نهر صغير. هنا مواقف مؤذية بلا شك، لكنها مواقف ساخرة أيضا. حتى شكل المنحوس تمت صياغته كما في الرواية، بطريقة تدعو للضحك أو الابتسام. في موضوع رسم الشخصية الساخرة، نحن في الواقع نصادف شخصيات كثيرة، فيها اختلافات عن معظم الشخصيات التي تعيش حولنا، من ناحية بنية الجسد أو التصرفات، لكن ربما نتفاعل معها بصمت أو بقليل من المرح، أو لا نتفاعل على الإطلاق، لكن حين تكتب هذه الشخصيات، ونتمعن فيها بعد ذلك، نكتشف كم هي ساخرة بطبعها ولم يزدها رسم الكاتب شيئا أكثر من تلميعها. الحلاق في الجامعة مثلا، ذلك الذي يستخدم عبارات الطلاب في غير مواضعها، وهو أمي، مثلا يطلق لقب أرملة على الزوجة، أو لقب سستر على الطبيب، هذه الشخصية حين تكتب روائياً، سيكون لها وقع كبير يحشد الضحكات والابتسامات. والحلاق الآخر، الذي يقص قليلا ويردد، لا مؤاخذة، بين كل دقيقة وأخرى، إنها لازمة عنده، وربما لا تضحك أهله أو معارفه أو زبائنه حتى لكنها تصبح فعلاً مرحاً داخل النص الروائي. شخصيات أحمد رجب في كتبه المختلفة، مثل كلام فارغ، والقصص نفسها ساخرة لأبعد حد، مثلا قصة المراجع الذي يذهب لإنجاز عمل في دائرة حكومية، ولا يعثر على الموظف المختص، يظل يتردد يومياً على الدائرة لمدة طويلة، ولا يأتي الموظف، فيجلس مرة على مكتب الموظف الخالي ليستريح، فيأتيه المراجعون، فيوقع لهم كنوع من العبث، فينجزون أعمالهم بتوقيعه. ومن الروايات التي كتبت كاملة بسخرية جيدة، رواية أبو شلاخ البرمائي، لغازي القصيبي، وكنت نوهت كثيرا بتميزها في هذا المجال.