15 سبتمبر 2025
تسجيلكثيراً ما نشكو من الضغط حين يقع علينا، وهو الطبيعي بحكم أننا من يٌمارس عليه الضغط أياً كان نوعه ولونه، ولكن يختلف الأمر وشعور الضاغط الذي يتأرجح بين موافقته ورفضه لعملية الضغط، التي يمارسها على المضغوط، الذي ولربما ينتهي دون أن يدرك ذلك، أو أن ينتهي وهو المدرك الوحيد لحقيقة ما يحدث معه، غير أنه لا يملك القدرة على التعبير؛ لأنه وبكل بساطة يصرخ ويصرخ وللأسف يصرخ، ولكن دون جدوى إذ أن صرخاته ليست سوى مجرد (همسات) يجود بها صوت مبحوح لا وجود له في عالم لا ينصت أبداً؛ ليظل المسكين مسكيناً مجبوراً على الاستسلام دون مقاومة تّذكر.، ويبقى السؤال: هل يصمت أكثر أم يحاول بصرخاته عله يجد من قد يستمع أو ينصت إليه يوماً ما؟ حديثنا اليوم أيها الأعزاء عن مخلوق يُنير المجتمع بعمله المُشرف الذي أفرز لنا الطبيب، والشرطي، والمحامي، والمهندس، وكل من صار يعطي على أرض الواقع، حديثنا عن (أهل العلم والتعليم)، الذين صار عملهم جهاداً يفرض عليهم نمطاً واحداً من الحياة، ولا يدركه مثلهم إلا من يدرك ماهية التعليم بين طيات (المدارس المستقلة)، بمعنى من كُتب له حق العيش ومُدَرِسة من المدارس المستقلة، وهو ما عاصرته وبشكل شخصي أجبر قلمي على كتابة هذه الكلمات التي تجرح كل من يتمتع بالعقل إن تمكن من المحافظة عليه أصلاً، وسط ما نراه ونسمعه من قصص تدمر الذات، وتفرض عليها النفي الاجتماعي، الذي يخلق (حالة من النُبذ) لا ترضاها النفوس. إن الوضع الذي تعيشه المُدرسة تحت وطأة المَدرَسة المستقلة قد جعلها مُستَقِلَةٌ بذاتها، ومنشقة بحياتها عن حياتها، فكأنها موجودة من أجل التعليم فقط، أما ما تبقى لها من الحياة فهو وإن لم يكن للتعليم، فإنه وبلاشك ليس لمن يهتم لأمرها ويشتاق للتواجد معها ولبعض من الوقت، فهي مجبورة على ملازمة نوعية واحدة من الحياة، فُرضت عليها دون أن تختار ذلك، فإما أن تقبل بها، وإما أن تفر بوجهها لمكان آخر، لا يقبله عقلها، ولا ترتاح فيه روحها التي اعتادت العطاء ضمن قالب العطاء، الذي ينصب لصالح خدمة الطالب وضرورة تثقيفه، وهو ما أجده الأساس من كل عمليات التعليم التي تُوظف؛ لخدمة المجتمع الإنساني. كلنا نعلم بأن التعليم رسالة سامية جداً، ومهنة إنسانية خالصة، ولكن هذه المهنة التي تفيض بالإنسانية يحملها على أكتافه إنسان يستحق الرحمة، يستحق التواجد في حياته بشكل طبيعي، يمارس من خلاله ما يمارسه الآخرون، فيجد لنفسه مساحة زمنية يحصل من خلالها على وقت كاف له ولأسرته وأبنائه، وأصدقائه وجيرانه، ويصحح فيه وضعه الاجتماعي، الذي يحدد هويته أمام من حوله، فهو لم يُخلق ليعمل كل الوقت، ولكن ما نراه من بعض النماذج الطيبة والجادة والحريصة أنها تعمل في المدرسة، وتعمل في البيت من أجل المدرسة، وتعمل في أي مكان تتواجد فيه من أجل المدرسة من خلال ذاك المدعو laptop الذي صار يُحمل أكثر من فلذات الأكباد، وإن كان كل ذلك الجهد من أجلهم أصلاً، ولكن وللأسف فإن ما جاد به الوضع لم يكن في صالح هذه المخلوقات، التي تستحق منا كل التقدير والاحترام، وليس العكس، الذي لا يظهر مكشراً عن أنيابه منذ البداية، ولكنه يفعل في حقيقة الأمر. ما يغفله كثر هو أن التعليم عملية تتقاسمها مجموعة من الأطراف أهمها هذه المخلوقات التي تعمل وبشكل مضاعف؛ لتعيش من أجلها ومن أجل طلبة العلم، ومن أجل مجتمع يُطالب بالتميز والتألق على جميع الأصعدة، ولكن دون أن يكون ذلك على حساب أي طرف من الأطراف، لا ذنب له سوى أنه يستيقظ يومياً؛ ليجد خططاً جديدة تسعى إلى بلوغ القمة على أكتافه وإن سقط؛ لتبتلعه الأمراض والأوجاع التي لا يشعر بألمها سواه. ما نحن بحاجته نحن بحاجة لتعليم يتمتع ببنية صحيحة، تسمح له بالتوجه لكل طموحاتنا التي نعلقها على رقبة المستقبل؛ ليزدان بها، وهو ما لا يمكن بأن يكون إن تجاهلنا قيمة (المدرس)، وغفلنا حاجاته ورغباته، ووضعناها على رف (حتى إشعار آخر)، الذي لربما يجد من يلتفت إليه، ولربما لن يجد ذلك أبداً. على الوتر ما نراه بأن بعض المدارس المُستقلة قد صارت مُستقِلَةٌ فعلاً بحاجات المُدرسة، التي صارت تستيقظ وتنام على أمل أن يُنظر لها ولحاجاتها ورغباتها كإنسانة حقيقية وسط (الوسط الذي يتوجب عليه بأن يتدفق بالإنسانية أكثر من غيره)، والحق بأن ما أرمي إليه هو ضرورة الاهتمام بها واحتوائها قبل أن تفر وتصبح مُستَقِلة وبعيدة عن سرب العطاء. صباحكم تعليم لحاجات يحتاجها أهل التعليم يا أهله، و(اللبيب بالإشارة يفهم). [email protected]