13 سبتمبر 2025

تسجيل

الثورة.. أسئلة وضرورات وانفجار قادم

03 أبريل 2012

الحالة المصرية الآن تبدو "جعجعة بلا طحن"، أصوات عالية دون إنجاز يمكن الإمساك به والقول إن الثورة مستمرة. جيل الشباب الذي تصدى يوم 25 يناير 2011 للخطوة الأولى واخترق حاجز الخوف وأسقطه، تحمل صبر الساعات الأليمة ودفع ثمنها شهداء ومصابون، حتى انضم الشعب إلى حركة الثورة في الشوارع والميادين ليسقط رأس النظام، واستمر في بذل الروح والدم طوال الفترة الانتقالية، والآن يطرح أسئلة لا يجد لها إجابات: ما هي العلاقة بين المجلس العسكري والإخوان؟ لماذا سقط من حساباتهم وجود الشعب وحاجاته؟ هل يدركون أن هناك شعبا؟ هل يدركون حاجاته ويقدرون غضبته؟ هل يستوعبون أن في مصر ثورة؟ لماذا تلاسن المجلس والإخوان فيما بينهم لينتهي التلاسن كزوبعة في فنجان؟ يتساءل الشباب ولكن في داخله آمل، ويتساءل الشغب ولكن لديه احتياج، والأمل يضيء المستقبل ويفتح أبواب الثقة بالنفس، والاحتياج، نتيجة الفقر وانصراف الدولة عن مهامها، يفتح أبواب الإحباط، والتمرد، وثورة الجياع. ذهبت أصوات الناخبين في استفتاء 19 مارس 2011، والمجالس النيابية في اتجاه "التنظيمات الدينية" واختياراتها، تحت دعاوى تجربة أصحاب الأخلاق المتدينين الذين سيتقون الله في أمر الشعب، ولكن الناخبون، أو بعضا منهم، اكتشفوا أنهم وقعوا فريسة عملية خداع جعلت من الدين شعارا لتصورات ذاتية تسعى للسلطة المطلقة علي حساب الثورة. وإنصافا للناخبين الذين هم الشعب صاحب المصلحة الحقيقة في التغيير ويحتاج إليه ليعيد مقومات الحياة في مصر إلي طبيعتها بعيدا عن الفساد والاستغلال والسلطة المطلقة، إنصافا لهم يجب أن نسأل سؤالا واجبا: ما هو البديل الذي كان مطروحا على الشعب حني يختاره؟ وما هي لغة الخطاب معه؟ وهل وصل إليه هذا البديل حتى وان عصت عليه لغة الخطاب؟. ثورة يناير كانت عابرة "للأيديولوجيات" وعابرة لعجز الأحزاب وتصحر الحياة السياسية في مصر،ولكن حركة الشعب وإنجازه في مواجهة النظام وترسانته الأمنية وكل أجهزته، لم تكن كافية لإحداث التغيير داخل الأحزاب التي تكلست علي ماهي علية وعلي قياداتها التي انصرفت عن العمل الوطني وأهدافه إلى ذوات قيادات طالها الصدأ من طول معايشتها لنظام الفساد ورغبتها في استمرار الوجود حتى وإن كان الثمن التخلي عن الأفكار والرؤى التي تحملها، ولم تستجب النخبة في أغلبها إلى معني تحرير الإرادة الذي تحقق بثورة يناير، ولكنها راحت وفق انساق قديمة استولت علي عقلها وأوقفت قدرة الإبداع لديها، وأفقدتها التواصل مع الشعب، الى خيارات مهزومة، بينما الشعب في الميدان يرتقي بمطالب ثورته، ورأت في حينها أن ما تحقق من تعيين نائب أو تغيير وزارة أو إعلان عدم الترشح لمدة جديدة أمرا من الأحلام التي لم يكونوا يتصورونها، وما أن استدعوا إلى حوار مع رئيس جهاز المخابرات والنائب المعين حتى تهافتوا على الحوار، وبعضهم الآن مرشح للرئاسة، والبعض الآخر آثر أن ينسحب من الميدان، ليحتل بعد ذلك البرلمان ويصف نفسه بأنه الثورة الحقيقية وغيره لا علاقة له بها. الأحزاب كانت قد تآكلت، بينما الجماعات الدينية كانت تنظم صفوفها، وربما أن الضربات الأمنية بقدر ضررها على الأفراد، كانت تزيد من تاريخ الاضطهاد المشترك، وتفتح باب التكافل بين أعضائها، بل وتفتح باب التنمية للإمكانات المادية مما أدى إلى امتلاك هذه التنظيمات لكوادر متفرغة تعرف قيمة التكافل والاحتشاد والبقاء معا، خاصة وأن رؤيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتوقف عند حد "السلطة"، إما حوارا، أو شعارا والنتيجة معايشة انتهازية للبعض منهم مع النظام السابق، بينما البعض الآخر في غياهب السجون يدفع ضريبة انتماؤه للتنظيمات، وينتظر في الأغلب الجزاء عند خروجه من محبسه. حتى أن فصيلا من التنظيمات الدينية كان يرعاه جهاز امن الدولة، ويعده لمواجهة محتملة مع باقي التنظيمات والحركة الشعبية. الشعب لم يختر بالتصويت انحيازا بين بدائل مطروحة علية واضحة ومحددة وبلغة يستوعبها، ولكنه في اختياراته كان يلوذ بالله رافضا الإلحاد والكفر كما كانت تعرض له التنظيمات الدينية، فالجوع يمكن الصبر عليه رغم انه كافر كما يقول المصريون، ولكن الكفر لا يقبلون به، فاللص وهو يقوم بجريمته يسأل ربه: "استرها معانا يارب"!. اختيارات الشعب بصندوق الانتخاب أدت إلى أن تحيد الثورة عن طريقها. أعطى الشعب أصواته للتنظيمات الدينية واختياراتها، وفي ذات الوقت أخذ يستجيب للحرب النفسية التي يشنها الإعلام ضد الثورة وعناصرها، وانبري يردد اتهامات ضد عناصر شباب الثورة، بأنهم ليسوا الثوار الحقيقيين، ولكن هذا الشعب ذاته انطلق في مظاهرات فئوية مطالبا بحقوقه المهدرة، والتي لم ينتبه إليها أحد، بل إن هذا الشعب كان الجسم الرئيسي لمظاهرات يناير 2012 والتي أعادت للمشهد الحشود الشعبية في بداية الثورة. معادلة الشعب الصعبة يجب إعادة اكتشاف مكوناتها حتى يمكن التعامل معها. وتبقى مسؤولية الثورة البحث عن الحلقة المفقودة بين عناصرها وبين الزخم الشعبي: فالعلاقة مريبة بين المجلس العسكري والإخوان، وكأنهما يعملان وفق رؤية واحدة، توزعت فيها الأدوار. ويشرح رئيس حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان سبب ترشيح خيرت الشاطر لمنصب رئيس الجمهورية ويقول "لأن هناك ما يهدد الثورة وأهدافها"!؟، تبرير لا نجد في الواقع مبررا واحدا لصدقه، فالإخوان تركوا الميدان، وابتعدوا عن مهام الثورة الملحة والتي كانت تستدعي أعلى حالات الاحتشاد، بل إنهم هم السبب الرئيسي في الأضرار ببعض ضباط الجيش من الشباب الذي تفاعل مع الثورة واستدعوهم بالزي العسكري إلى منصة بميدان التحرير، مما أدى إلى صدامات يوم 8 أبريل ومقتل البعض منهم ووجود البعض الآخر في السجن الحربي الآن، ولم يرجف لمن دعي جفن، وكأنهم كانوا ينصبون لهم فخا. ثم مواقف الناخبين ليست انحيازا، ولكنها بالأساس اختيار لما وصل إلى وعيهم مباشرة، غير أن هذه الاختيارات أدت إلى دعم غير مبرر سياسيا واجتماعيا لمن خرجوا على الثورة ويواجهونها. وثالثا شباب يشعر أن ما دفعه من ثمن، يضيع من بين أيديهم، وليس أمامهم إلا أن يواجهوا التحدي ويدفعوا الثمن من جديد. فما هي الحلقة المفقودة في معادلة الثورة؟ الحديث عن الإخوان وما يفعلونه هو لغط في القول. فلن يجدي اتهامهم بأي شيء لمصر والثورة والشعب، حتى اتهامهم بالكذب، والمناورة، فهذا أداؤهم وهؤلاء هم، فهل يدرك المتكلمة والناقدون أن المشكلة ليست في الإخوان ولكن فيمن ينتقد ويتكلم دون أن يفعل شيئا. بات واضحا أن احتياج عناصر الثورة الرئيسي الآن هو امتلاك "تحليل سياسي" للواقع بعد 15 شهرا من الثورة، لتتمكن من تقدير صحيح للموقف، يمكنها من أن تضع رؤية للتعامل معه، وتحديد المهام المطلوبة لمواجهة تحديات استمرار الثورة. كان واضحا منذ اللحظة الأولي لانطلاق بيان الإخوان ضد الحكومة ثم بيانات المجلس العسكري ردا علي هذا البيان وبيان ما بنتهددش الذي عادت وأطلقته الإخوان، ليذكرهم المجلس بصدامات بين ثورة يوليو وبينهم وكتب مدير صفحة المجلس عن التنظيم المسلح لدى الإخوان، كان واضحاً ان الطرفين يذران الرماد في العيون تغطية لشيء آخر قادم وقد اتفقا عليه. والمواجهة مع تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، والاستيلاء عليها من الإخوان والسلفيين، جلبت مناوشات خارج الموضوع وعلي حساب الدستور، بينما الشعب صاحب الحق الأصيل فيه خارج الحساب. ويدخل الأزهر إلى المعادلة، ويعلن انسحابه من اللجنة التأسيسية، ويخرج الصراع بينه وبين الإخوان حول دوره وقدرته وواجبه إلى العلن، وكأن الأزهر استعاد زمن ثورات القاهرة في مواجهة نابليون والحملة الفرنسية. وعندما طلبت من مهندسة زميلة أن تسأل والدها الدكتور الأزهري لماذا هذه المواجهة، كفتني بإجابتها عن انتظار رد الأب وقالت "الأخونة"!، الإخوان يريدون السيطرة على الأزهر، كما هو موقفهم من المجلس الأعلى للمرأة عندما صدر به قرار من المجلس والحكومة دون سيطرة الإخوان، هاجمه الإخوان لأنه لم تتم "أخونته"!، وهذه المهندسة من الشباب، وهو ما يعني أن الشباب يدرك طبيعة ما يجري، ولكنه لا يملك تحليلا كاملا للوضع السياسي، وتوصيف القوي علي جانبي المواجهة داخل المجتمع، توصيف من نحن؟ وإلى أين نريد أن نذهب؟ وهي خطوة ضرورية تسبق إمكانية امتلاك الرؤية. الجدل المحتدم حول لجنة الدستور والدستور وانتخابات الرئاسة يبدو في مجموعه جدل ثانوي خارج قضية الثورة. والجدل الواجب الآن بين العناصر التي تنتمي للثورة يجب ان يتجه إلى شعار "الثورة أولا"، ومؤداه ألا يغيب التعبير بالاحتشاد وفي مواجهة مؤامرات القصر التي تدور في الظلام وتظهر لنا نتائجها ونحاول الاستنتاج منها بأنهم معا رغم ادعاءاتهم بالاختلاف. و"الثورة أولا" يعني أن يكون للثورة أدواتها التنظيمية وان تجد لمهامها العناصر البشرية والإمكانات لتحقيقها. أن مهمة الوعي ضرورية، ومهمة الارتباط بالشعب وربط الشعب بثورته ضرورية، ومهمة توحيد المطالب الفئوية ضرورية، ومهمة التنسيق بين التنظيمات التي تنتمي لأهداف الثورة (فعلا وليس متاجرة) ضرورية. وغير هذا فإن مهاما تفصيلية للدستور تلح علينا لدراستها ووضع الأسس للبناء عليها نصوصا تشريعية في الدستور الوطني، وأهمها العلاقة بين المؤسسة العسكرية وبين الدولة، ومهمة ماهية النظام الاقتصادي الذي يحقق التنمية والعدالة الاجتماعية، مهام واجب تفسيرها تفصيلا والتوافق عليها. ومهمة الحوار المجتمعي حول الدستور مع فئات الشعب حيث هي جغرافيا ونوعيا، ضرورة لزيادة الوعي بالدستور وارتباط الشعب به. إن مهمة تأمين عناصر الثورة ضد المواجهات الأمنية القادمة حتما خلال الفترة القادمة ضرورة لامتلاك الثورة لأدواتها، ولن تتحقق بغير وحدة عناصر الثورة والتنسيق بينها. لم تكن عناصر الثورة باحثة عن مواجهة مع المجلس العسكري، ولعلهم يذكرون أن الشعب ليلة 10/11 فبراير 2011 توجه إلى القصر الجمهوري غير متحسب لمواجهة السلاح، وأن عناصر من الجيش كانت تحاول أن تعيده، محذرة من الحرس الجمهوري، ولكن الشعب كان يزداد إصراره ولم يكن يخشي الموت، وطوال الفترة الانتقالية كان المجلس العسكري يصدر أوامره بالتصدي بالسلاح للثوار فقتل من قتل وسحل وسجن. وصمتت جماعة الإخوان عن كل هذا... بل وصلت إلى التبرير وإبراء الذمة كما فعل العريان يوم 25 يناير 2011 نافيا مشاركة الإخوان وقال إن الأمن يعرف من هم، وهو يعني المشاركين في أول مظاهرة في التحرير في اليوم الأول للثورة. ولكن لا جدوى من توجيه الاتهامات، الجدوى الحقيقية في الخطوة الضرورية للتنظيم والوحدة على طريق الألف ميل. اشتعل فتيل اللغم، ولكن أين سينفجر؟ ومتى؟ وفي وجه من؟. هل سينفجر داخل الإخوان؟ أم أنه سينفجر داخل المجلس؟ أم أن اللغم سينفجر داخل المجتمع؟ الانفجار قادم لأنه لا تفسير منطقي يقبله العقل لما يجري. وهنا يكمن الخطر، لان الوضع الأمني هش، والاختراق للأمن القومي المصري واقع يجب التعامل معه، ولا عاصم من كل هذا سوى أن ينتظم أبناء الثورة في مصر في أداة تسترد المبادأة، واسترداد المبادأة لن يتأتي بخيارات نطرحها الثورة المضادة، ولكنها تتحقق بخيارات تضعها الثورة وتحققها حتى وان كانت انقلابا كاملا على كل ما هو قائم.