11 سبتمبر 2025
تسجيلفي نصّ موجع يكتب الشاعر العراقي كاظم خنجر ما يمكن إضافته إلى مدوّنة رثاء الإخوة، ناقلاً واقعاً سوداوياً تعيشه المنطقة، حيث تستشري الحرب الأهلية على خلفية طائفية، ويتفشّى العنف والإرهاب في معظم مفاصله. يتحدث النصّ عن أخٍ يتسلّم جثّة أخيه التي لم تكن غير "كيس عظام" لكنّ موهبة كاظم خنجر تحوّل نصّ الجثّة إلى منطقة ضاجّة بالحياة، في سرديّة تعلو فيها الشعرية الخارجة من عفويتها وبراءتها: "البارحة ذهبت إلى الطب العدلي. طلبوا بصمة مطابقة للحمض النووي. قالوا إنهم عثروا على بعض العظام المجهولة الهوية. وفي كل مرةٍ أدور مثل برتقالة على سكينة الأمل.. يقول التقرير الطبي بأن كيس العظام الذي وقّعتُ على استلامه اليوم هو "أنت" ولكن هذا قليل. نثرتُهُ على الطاولة أمامهم. أعدنا الحساب: جمجمة بستة ثقوب، عظم ترقوة واحد، ثلاث أضلاع زائدة، فخذٌ مهشمة، كومة أرساغ، وبعض الفقرات. هل يمكن هذا القليل أن يكون أخاً؟".يعيد الشاعر إلى الذاكرة ما أثاره الروائي الألباني إسماعيل قدري في روايته "جنرال الجيش الميت" في رحلة جنرال إيطالي يبحث عن عظام جنود شاركوا في الحرب العالمية الثانية، وهناك تتحول العظام إلى حكايات حميمة وجدها في مذكراتهم وذاكرة كثير من المواطنين الألبان.غير أن الموجع هو ما يمكن أن نسميه بيت القصيد في الشعر العمودي، حين يكيد كاظم للسرد العفوي الساذج، ملتقطاً صوراً غير مسبوقة تضاف إلى موضوعة الرثاء ورثاء الأخ بخاصة: "في الباص أجلستُ الكيس إلى جانبي. دفعت أُجرة لمقعدين (هذه المرة أنا الذي يدفع). اليوم كبرتُ بما فيه الكفاية كي أحملكَ على ظهري وأدفع عنك الأجرة". منذ صرخة قابيل التي تجمع بين الندم والمحبة، وصرخة جلجامش على أخيه (الذي لم تلده أمه) وبكاء الخنساء ومتمّم بن نويرة ودريد بن الصّمّة. كانت بكائية الأخ تمنح شعرية الرثاء طاقة مشعّة ومختلفة عن الفقد الآخر.يحاول كاظم خنجر وزملاؤه في "ميليشيا الثقافة" كتابة المختلف، المحايث للكارثة، في صراخهم ضد الحرب والطائفية والانتصار للإنسان بكل معانيه السامية.