12 سبتمبر 2025
تسجيليذكر التاريخ أن عبد الله بن وهب الراسبي الأزدي حين عزم الخوارج على بيعته فقال "يا قوم استبيتوا الرأي"؛ أي: دعوا رأيكم تأتي عليه ليلة، ثم تعقبوه. وقال: "إياكم والرأيَ الفطيرَ، والكلامَ القضيب، دعوا الرأي يَغِبُّ، فإن غُبوبه يكشف للمرء عن فَصِّه.. وليس الرأي بالارتجال، ولا الحزم بالاقتضاب".وهذه حكمة بالغة وأفضل منها ما اشتهر على ألسنة العامة والخاصة ما رواه أبو يعلى من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "التأنِّي من الله والعجلةُ من الشيطان" فالتأني جسر لا يقوى عليه إلا أهل الحكمة ولا يفرز غالبا إلا أصوب الرأي.ولذلك ذم الله العجلة في كل شيء قال تعالى (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ). وقوله تعالى (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً) يدعو الإنسان على نفسه بالشرِّ إذا ما أصابته مصيبةٌ من فقر أو مرض، لأنه بفطرته عجول.وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أحد أسباب منع الإجابة العجلة فقال "يُستجاب لأحدكم ما لم يَعْجَل يقول: دعوتُ فلم يستجب لي".التأني صفة يحبها الله عز وجل كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي — صلى الله عليه وسلم — قال لأشجِّ عبد القيس "إن فيك خَصْلَتين يُحِبُّهما الله: الحِلْمُ والأناةُ"..وهي كذلك من صفات النبوة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "السَّمتُ الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة".ومن روائع أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة يتناول فيها قصة إحدى العصافير، وهي تعلم ابنها الطيران، يقول فيها:رأيتُ في بعضِ الرياضِ قُـبَّرَة — — — تُطَيِّرُ ابنَها بأَعلى الشَّـجَرهوهْيَ تقولُ: يا جمالَ العـُشِّ — — — لا تعتَمِدْ على الجَناح الهَشِّوقِفْ على عودٍ بجنبِ عودِ — — — وافعل كما أَفعلُ في الصُّعودِفانتقلَت من فَننٍ إلى فَنَنْ — — — وجعلتْ لكلِّ نقلةٍ زمنْكيْ يَسْتريحَ الفرْخُ في الأَثناءِ — — — فلا يَمَلُّ ثِقَلَ الهواءِلكنَّه قد خالف الإشـارة — — — لمَّا أَراد يُظهرُ الشَّطارةوطار في الفضاءِ حتى ارتفعا — — — فخانه جَناجناحُه فوقعـافانكَسَرَتْ في الحالِ رُكبتاه ُ — — — ولم يَنَلْ منَ العُلا مُناهُولو تأنى نالَ ما تمنَّـى — — — وعاشَ طولَ عُمرِهِ مُهَنَّـالكلِّ شيءٍ في الحياة وقتـهُ — — — وغايةُ المستعجلين فـوته!