30 سبتمبر 2025
تسجيلتشير مختلف التقارير العالمية وبصورة مستمرة إلى قدرة الاقتصاد القطري على تحقيق نتائج متميزة ولأسباب يمكن تفهمها. باختصار، ما يحدث عبارة عن نجاح قطر في تحويل إمكاناتها من النفط والغاز لتحقيق إنجازات تتضمن تقليص الاعتماد على القطاع النفطي وبالتالي معالجة مسألة التنوع الاقتصادي. بمعنى آخر، يمكن تفهم الإشادات المتتالية والتي تتعلق باستخدام إيرادات النفط الخام والغاز والمشتقات النفطية لتخفيض الاعتماد على القطاع نفسه. ويعد ذلك دليلا على حسن استخدام العوائد النفطية للاستثمار في الخارج وبالتالي الحصول على فرص لتحقيق عوائد أخرى لدخل الخزانة العامة. بل يميل صندوق النقد لفرضية وصول حجم الثروة السيادية أو الادخار لقطر حد 250 مليار دولار مع نهاية 2017 مما سيضع البلاد في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال مثل الإمارات والصين وسنغافورة واليابان والكويت. تتمثل إيجابيات سياسة الاستثمار في الخارج في تحقيق عوائد مالية وبالتالي تقليص الاعتماد على القطاع النفطي. كما هناك إيجابيات أخرى تشمل تنويع المخاطر فضلا عن مساعدة بعض الاقتصادات في حل المشكلات التي تعاني منها ومثال ذلك مساعدة اليونان. وعليه تخدم قطر نفسها من جهة والدول الأخرى من جهة عن طريق استثماراتها المنتشرة في ربوع العالم. على صعيد آخر تتوارد التقارير عن نجاح قطر في توظيف العوائد النفطية للترويج لاستقطاب فعاليات من قبيل الحصول على شرف تنظيم كأس العالم في العام 2022 للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بل العالم العربي. وبكل تأكيد يضيف نجاح قطر في تنظيم كأس العالم لكرة القدم لمكانة دول مجلس التعاون الخليجي على خارطة الاقتصاد العالمي. مؤكداً توافر إقامة فعاليات عالمية من قبيل تحرير التجارة العالمية والشفافية والاستثمارات الأجنبية المباشرة والمناخ وغيرها من فرص لتطوير أداء مختلف القطاعات الاقتصادية مثل الضيافة فضلا عن البنية التحتية مثل مطار حمد الدولي. طبعا القادم أفضل حيث الحاجة لتعزيز البنية التحتية في إطار الاستعداد لتنظيم فعاليات كأس العالم. وفي هذا الصدد يمكن تفهم الإشادة الحديثة الصادرة من صندوق النقد الدولي حيال نجاح قطر في تنويع اقتصادها على حساب القطاع النفطي. طبعا تحمل هذه الإشادة الكثير من المدلولات بالنظر لمصدرها أي صندوق النقد أي جهة تراقب أداء الاقتصاد العالمي برمته. وطالما الحديث عن صندوق النقد فقد تبين حديثا توقعه بإمكانية تسجيل فائض في حدود 10.7 مليار دولار في السنة المالية 13-2012 والتي تنتهي نهاية مارس. حقيقة القول، لا يمكن اعتبار هذا الرقم متميزا بحد ذاته قياسا بالفائض الأصلي المتوقع للسنة المالية أي 7.7 مليار دولار. وكانت الحكومة قد أعدت الموازنة بإيرادات ونفقات قدرها 56.6 مليار دولار و48.9 مليار دولار على التوالي. لا شك أنه من الحالات النادرة قيام أي دول بنشر أرقام الموازنة العامة مع توقع تسجيل فائض حيث العكس هو الصحيح. لكنه ربما يتخلف الأمر عند الحديث عن الاقتصاد القطري حيث التميز أصبح قاعدة بدليل قدرة قطر بالسيطرة على عرش أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم في غضون عقد من الزمان على حساب إندونيسيا. حاليا تبلغ الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في قطر نحو 77 مليون طن سنويا. وحسب آخر تقرير دوري لإحصاءات الطاقة ومصدره شركة (بريتيش بتروليوم) البريطانية تسيطر قطر على قرابة 35 في المائة من الإنتاج العالمي من هذه السلعة الإستراتيجية. عودة للموازنة العامة، تعزيز مستوى الفائض العام كان متوقعا بسبب الفارق بين السعر المعتمد والمتوسط المشهور في أسواق النفط. وبمزيد من التمعن يمكن الزعم بأن الدولة وظفت الزيادة في الإيرادات لرفع مستوى النفقات. ودليلنا على ذلك هو افتراض رقم محافظ قدره 65 دولارا لبرميل النفط أي أقل بشكل نوعي عن متوسط الأسعار السائدة في أسواق النفط العالمية والتي تزيد عن 90 دولارا للبرميل. صحيح أننا نتحدث عن ظاهرة تحقيق تنوع اقتصادي لكن في الوقت الحاضر ما زال القطاع النفطي يشكل حجز الزاوية في دخل الخزانة العامة. يشكل الدخل النفطي بشقيه النفط والغاز قرابة ثلثي إيرادات الخزانة ما يعني تأثر حجم الإيرادات بالأسعار السائدة في الأسواق سلبا أو إيجابا. مؤكداً استفادت الدولة من ارتفاع الإيرادات النفطية لتعزيز النفقات العامة. وهذا ربما يفسر توقع صندوق النقد في تسجيل نمو اقتصادي فعلي أي بعد طرح عامل التضخم في حدود 5.2 في المائة في العام 2012. ويعتقد صندوق النقد الدولي بأن يصل حجم الناتج المحلي الإجمالي القطري نهاية العام 2012 نحو 191 مليار دولار ما يعني الحلول في المرتبة الثالثة بين دول مجلس التعاون الخليجي بعد كل من السعودية والإمارات لكن قبل الكويت ولو بشكل جزئي. طبعا لا مناص من ترجمة هذا الرقم لجانب آخر في الاقتصاد القطري وتحديدا دخل الفرد. يعتقد بأن عدد السكان في قطر في الوقت الحاضر في حدود 1.8 مليون نسمة ما يعني بأن مستوى دخل الفرد يزيد على 100 ألف دولار أي الأعلى عالميا بلا منازع. لا شك نتحدث هنا عن المتوسط بما في ذلك الأجانب والذين يشكلون فيما بينهم الأغلبية الساحقة من السكان. بل يرتفع الرقم بالنسبة لبعض المواطنين لأسباب تشمل كرم القيادة القطرية مع مواطنيها عن طريق الزيادات الدورية في الرواتب والعطايا. أخيرا يلاحظ حدوث هذا المستوى من الأداء في ظل شبه غياب للتضخم. فخلاف ما كان عليه الحال قبل عدة سنوات وتحديدا العام 2007 عندما بلغ التضخم ذروته وتكون من رقمين وليس رقما واحدا، تشير أحدث التقارير لعدم ارتفاع الأسعار عن حاجز 3 في المائة فقط في 2012 وهو لا يشكل تهديدا لاقتصاد أي دولة.