12 سبتمبر 2025

تسجيل

أطفال الطلاق زهور تنبت في الصخور (2 — 2)

03 فبراير 2011

أعجب كيف يستطيع الآباء القساة الذين حكموا على أبنائهم بأن يكونوا أبناء طلاق أن يزيدوا معاناتهم، ويضعوهم في دوامة تصفية الخلافات والنزاعات ويجعلوهم خط الوسط الذي يلعب عليه الطرفان بين هجوم ودفاع.. غير آبهين بتلك القلوب الصغيرة التي تتألم.. والعيون الحزينة التي طالما ذرفت دموع الألم والحرمان.. وكل ذلك من أجل الانتقام، أو تحقيق مكاسب في رصيد المصالح الشخصية على حساب تلك الزهور الرقيقة التي لا تقوى على شمس الهجير.. إن العاقل هو الذي يعي ويفهم أن هناك ما يسمى بالطلاق الصحي، وذلك حين تتعذر الحياة الزوجية، ويصبح الكي هو آخر العلاج، ولا يبقى إلا الفراق.. هنا لابد على الآباء من وضع منهجية سليمة وآليات تطبيق واضحة أساسها المصلحة العامة وعلى رأسها الأبناء.. لأنهم ببساطة الحلقة الأضعف في تلك السلسلة.. وعلى الأرجح سيعيشون حياة مليئة بمواقف محرجة، ومعاناة بين أقرانهم، وفي مدارسهم، وبين أقاربهم.. فمهما عاش الطفل برعاية أحد والديه، وحاول أن يسد غياب الطرف الآخر، فلن يستطيع تعويضه لحظات الحب ودفء الحياة الأسرية بين الوالدين، وتلك الساعات الجميلة حول المائدة، وأمام التلفاز، وفي الرحلات العائلية، وعلى سرير الوالدين، وحين يمرض فيفتقد مشهد والديه وهما يصطحبانه للطبيب بكل حب وخوف عليه، ومهما حاول أحدهما إعطاءه فلن يكون قادراً على تعويضه لحظة سعادة يعيشها حين يرى والديه وهما يحضران ليزوراه في مدرسته أو يصطحباه للعودة إلى المنزل الذي يمثل له الحصن الذي يقيه كل خطر.. لذا كان لزاما على الوالدين أن يعرفا حق المعرفة كل تلك المعاناة وذلك الألم الذي يعانيه أطفالهما دون أن يتحدثوا به على الأغلب، لأنهم كثيراً ما يشعرون بأنهم طرف أو سبب فيما حدث وبأنهم غير قادرين على البوح بما يدور في أذهانهم لأنها مشكلة تمس كيانهم، وتمس أقرب الناس بالنسبة لهم.. ولابد على الآباء أن يجنبوا أبناءهم كل ما حدث بينهم، وأن يتصالحوا مع أنفسهم ومع الطرف الآخر من أجل التخفيف على الأبناء، وأن يحذروا كل الحذر من ذم الطرف الآخر أمام الأبناء، أو ذكر سلبياته، أو تحريض الأطفال عليه، أو غرس الكراهية والحقد في قلوبهم، لأن الكره والعقوق لا يمكن أن ينشئا طفلاً سليماً، كما يفعل الحب والطاعة والتواصل.. ومضة (قصة واقعية): تزوجا فكانت له نعم الزوجة الصالحة، عطاء متواصل واهتمام وحب وتقدير واحترام.. ولكنه كان من بيئة أخرى ولم ينشأ على الأخلاق القويمة والتربية الدينية كما نشأت هي.. بدأت معاناتها منذ أول يوم حين اكتشفت أنه مريض بمرض أخفاه عنها قبل الزواج، وأخلاق سيئة تجعل من العيش معه ضرباً من المستحيل.. صبرت وتحملت واحتسبت طمعاً بما عند الله من أجر للصابرين، وكان يخفف عنها أن رزقها الله ولداً وبنتاً كانا ربيع عمرها.. والبسمة الوحيدة في حياتها معه.. ولكن لم تعد تقوى على قسوته وإساءة عائلته اليومية لها ولأطفالها فكان الفراق..قالت له منذ أول يوم إن ما بيني وبينك هو بيننا فقط، ولكن أطفالك هؤلاء هم أبناؤك وسيحملون اسمك طوال حياتهم، وبقدر ما يدخلهم البر بي الجنة، بقدر ما يكون ذلك حين يبرونك.. فالباب لن يوصد أبداً في وجهك حين تريدهم.. وأصبح الأطفال يزورون والدهم كل يوم عند عودتهم من المدرسة، وكبر الأولاد شيئاً فشيئاً حتى جاء يوم تزوج فيه والدهم، واشترطت عليه زوجته عدم زيارة أبنائه فعاد الأطفال بقلوب كسيرة والدموع في أعينهم البريئة ولكن الأم وعائلتها احتضنوهم بكل حب واهتمام وباتت رعايتهم هي الشغل الشاغل للجدة وللعائلة..وكبر الأطفال وكانت الأم كل مرة يتقدم أحد لخطبتها تذهب في المساء لتنظر لوجوه أطفالها البريئة وهم نائمون فتسأل نفسها هل أختار سعادتي أم سعادتكم؟.. وفي كل مرة كانت تختار أن ترى البسمة على تلك الوجوه البريئة بدلا من أن ترسمها على وجهها الحزين.. كبر الأطفال شيئاً فشيئاً وكبر معهم حبها وحب عائلتها لهم.. ومازالوا بعينيها هم الماضي والحاضر والمستقبل.. لأنهم أغلى ما تملك في هذه الحياة.