12 سبتمبر 2025

تسجيل

فقه التعامل مع الشكوى

02 ديسمبر 2015

هي واقعة سطرتها كتب الحديث والتاريخ معا، بين أهل الكوفة أصحاب الشكوى وسعد بن أبي وقاص المشكو، والمشكو إليه أمير المؤمنين عمر، ولا يخفى عنك قدر سعد فهو خال النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد الصحابة العدول الكبار؛ ما يجعل الادعاء أقرب إلى الكذب، لكن عمر تعامل معها بفقه نحتاج التأمل فيه. في الصحيحين عن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر ـ رضي الله عنه ـ فعزله واستعمل عليهم عمارا فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن أن يصلي فأرسل إليه فقال يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن أن تصلي قال أبو إسحاق أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين‏.‏ قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق‏.‏ فأرسل معه رجلا أو رجالا إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه ويثنون معروفا حتى دخل مسجدا لبني عبس فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة قال: أما إذ نشدتنا فإن سعدا كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية‏." وهنا عدة ملاحظات في فقه تعامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الشكوى: أولا: نداء عمر لسعد بكنيته (أبو إسحاق) والشكوى لم يبت فيها بعد، دليل على أن الأصل براءة الذمة، وأن الاتهام لا يعني الإدانة. ثانيا: فضل المشكو فيه ومكانته لا يمنع التحقق، ولا عبرة بالقناعة الشخصية وإن وصلت مرحلة القطع؛ فالأصل أن يتمتع القاضي بالحياد والعدل. ثالثا: اليقين بالنتائج لا يعني سطحية التحقيق: فقد أرسل عمر لجنة لتقصي الحقائق من خارج الكوفة، لا لتسأل أعيان البلد أو خواصهم، الذين قد يظن بهم مجاملة الأمير، بل تذهب لتقف في المساجد والأسواق، وتسأل المارة والقريب والبعيد . رابعا: التحقيق تحت سلطان المشكو في حقه يجافي العدل المنشود، لذا عزل عمر سعدا، مع ثقته فيه وعلمه بقدره . خامسا: مع إجماع الناس على فضل سعد وشذوذ رجل واحد منهم إلا أن عمر لم يهدر قوله، وترك سعدا يقدم الأدلة على كذب دعواه. يتبع في المقال القادم.