18 سبتمبر 2025
تسجيلساهم الاهتمام الكبير باللغة العربية في بلاد الشام ومصر والعراق في إيجاد أثر كبير في صناعة الثقافة العربية عموماً والشعرية على وجه الخصوص، في مناهج متأثرة بنظرية العروبة التي نسجتها أدبيات النهضة العربية، وقامت على أساسها أنظمة حكم ما بعد الاستقلال، واندغمت هذه المناهج بإعلام قومي مهيمن، وعاش أبناء هذه الدول في رخاء الماضي، ومع ختام الدراسة الثانوية يكون الطالب قد أمضى شوطاً كبيراً في إتقان لغته إعراباً وصرفاً وبلاغة، وتعرف نظام الإيقاع الذي يميّز البنى الموسيقية المختلفة للشعر العربي، وعلى هذا فإن كمّاً هائلاً من الشباب عرف طريقه إلى الشعر بمجرّد التعبير عن رأيه أو عمّا يختلج من مشاعر في صدره، وامتلأت صفحات الجرائد بنصوص شبابية نزقة أحياناً وطائشة أحياناً أخرى، و تداعى إلى الأماسي شباب يحلقون في الأحلام نحو ممالك الشعر الخصبة، في حين بات الشعراء يحلقون في الأحلام نحو ممالك الشعر الواعدة، وفي الوقت الذي تحاول فيه برامج ومسابقات إذكاء نار التنافس بين الشباب نتساءل هل نعد الناتج عن هذه المسابقات وورشات العمل شعراً حقيقياً، أم أنها بنت ساعتها كالأزجال الشعبية أو شعر الإخوانيات، وهل كانت النصوص الخالدة العربية والعالمية ثمرة مسابقات، هل كانت مسابقة عكاظ مثلاً كأمير الشعراء مجرّد مساجلات كتبت على غفلة من النابغة الذبياني الذي كان حكيما وشاعراً، كما جاء في الأثر عن معلّقتي الحارث بن حلّزة و عمرو بن كلثوم، ربما وصل الأمر في العصر العباسي إلى تبنّي مدرسة النظم لمقولة ( احفظ وانسَ) وكان من روّادها أبو نواس الذي اشتهر عنه حفظه وسرعته في النظم، وقدم إلينا شعراء بكميات كبيرة، لم تبق صفحات النقد والتاريخ منهم إلاّ القليل، لقد أساء التعليم من حيث لم يقصد إلى الشعر الحقيقي، بتقديم آلاف المتعلمين (الناظمين) نصوصاً سقيمة باردة، منذ أمالي مدرّسي العصر العباسي، حتى كشاكيل مدرّسينا في الشهادة الثانوية، وضلّلت أدوات النظم المكتملة بـ ( الدُّربة والمِران) كما يقول الناصحون في العادة؛ لقد ضلّلت اتجاهات الشعر الحقيقية من الشكل إلى البنية الانفعالية والجمالية الخالصة، وحتى في الهروب من العمود كما فعل أصحاب قصيدة التفعيلة، فلم يطل الأمر طويلاً حتى صرخ أحد الشعراء طالبين الرحمة بـ(أنهار الورق المهدور)، وحتى الذين هربوا إلى قصيدة النثر زهداً بخلاخيل الفراهيدي، فوجئوا بمستسهلي الكتابة من (كسالى الثانوية) يجرّبون حظهم في سوق كبيرة، كلّما صرخنا مطالبين بنقد حقيقي يفرز الشعر من اللاشعر في الزحام، "كثر الشعراء وقلّ الشعر" وبات كوم القشّ أكبر من قدرة الباحثين عن الإبرة.أليس الشعر العربي جديراً بربيعٍ هو الآخر أسوة بالحياة العربية ذاتها؟