09 أكتوبر 2025
تسجيلمنذ فترة كتب أحد النقاد مقالا عن الرواية السودانية الحديثة، ما لها وما عليها، وتعرض بالطبع للتجارب الكلاسيكية لها، وعلى رأسها تجربة الكاتب العظيم الطيب صالح، وهذه تجربة معروفة وكتب عنها آلاف المرات في كل بقعة وصلت إليها رواية موسم الهجرة للشمال. أيضا تجربة أبوبكر التي سبقت تجربة الطيب لكنها لم تتسع إلى أبعد من المحلية برغم تميزها، ثم تجربة إبراهيم اسحق وهو كاتب حقيقي، كاتب صنع من بيئة دارفور عالما أسطوريا رحبا كان يمكن أن يكون من العلامات الكبيرة في الرواية العربية، لو نشرت الأعمال عربيا. الناقد عرج على تجارب لاحقة، ومنها تجارب جيلنا، وذكر أسماء محددة هي بالتحديد اسمي واسم طارق الطيب المقيم في النمسا، وخالد عويس المقيم في أمريكا، ووصف تجاربنا بأنها موهوبة وتحوي عوالم مدهشة، لكننا لم نحدث أي تأثير في الثقافة العربية ولم نحصد قراء في أي مكان ولا انتشرت أعمالنا ولا ترجمت لأي لغة، ولا نلنا اعترافا من أحد سوى على المستوى العربي أو العالمي. سؤالي هنا: من الذي يمنح اعترافا للكاتب، وهل هذا الاعتراف مكتوبا أم شفويا أم ماذا، وكيف يعرف الناقد إن كان الكاتب لديه قراء أم لا، إذا كان الكاتب نفسه لا يعرف ذلك بدقة، وإنما يفاجأ حين يسافر إلى فعالية ما، أن هناك من قرأه وتفاعل مع تجربته، أو تصله رسائل إليكترونية تتواصل معه، ومسألة الترجمة، أيضا شأن كان على كاتب المقال أن يتحرى عنه قبل أن يكتبه، فطارق الطيب ترجم للغات عديدة، وهو من سفراء الأدب السوداني المداومين في المحافل الدولية، وشخصي ترجمت أعماله للغات عديدة، ووجدت العديد من قرائها أيضا وبذلك، تصبح تلك القراءة التي نشرت عنا غير منصفة، ولا تعطي ملمحا إيجابيا لما حققه جيلنا أنا وطارق الطيب، والحسن بكري، وبركة ساكن والجيل الذي أتى بعدنا مثل جيل خالد عويس. بالطبع الأعمال الإبداعية تطرح للنشر ومن حق أي معلق كبيرا كان أم صغيرا أن يعلق عليها سلبا أو إيجابا، من حق من يكتب عنها أن يرتقي بها أو يهبط بها إلى القاع في قراءته ولا يستطيع الكاتب أن يحتج على رأي سلبي في تجربته، بقدر فرحه برأي إيجابي عنها، لكن المسائل الأخرى، كالانتشار والترجمة، والحصول على قراء، أعتقد أنها شؤون بعيدة عن النقد، والذي يريد الخوض فيها، عليه أن يتحقق منها أولا. في النهاية تبقى معضلة الكتابة نفسها، والتفكير الذي لا يفارق ذهني دائما، في أنها لم تعد ذات جدوى كبيرة في زمن تستلب فيه حتى المعنويات، ويظل الكاتب يكدح بلا تقدير حقيقي، حتى يحصل على فرصة أن يترجم إلى لغات أخرى، فيحس بأنه كاتب بالفعل. في تجربتي، حين أقيم لي احتفال خاص في روما، أحسست لأول مرة، أن هناك من يقدر هذا المجهود الذي يأكل من أعمارنا.