17 سبتمبر 2025
تسجيللا تثور مشكلة استحقاق مكافأة نهاية الخدمة والمعاش التقاعدي لدى العامل غير القطري، إذ إن الأخير ليس من المخاطبين بقانون التقاعد والمعاشات. إلا أن مدى جواز الجمع بين مكافأة نهاية الخدمة والمعاش التقاعدي للعامل القطري محل خلاف إلى الآن. فالعامل القطري يبحث عن فرص العمل في القطاع الخاص – على الرغم من عدم توافر الأمان الوظيفي – لمزاياه العديدة، ومنها الحق في مكافأة نهاية الخدمة، ولا ريب أن تزدحم لجان فض المنازعات العمالية بالعديد من الدعاوى التي يرفعها العمال القطريون في سبيل اقتضاء حقهم وإلزام أرباب العمال بصرف مكافأة نهاية الخدمة وذلك لقاء السنوات التي فُنيت في خدمة رب العمل. والحديث عن الجمع بين المعاش التقاعدي ومكافأة نهاية الخدمة جدلي لثلاثة أسباب: السبب الأول هو التعديل التشريعي لقانون التقاعد عام 2016 وعدم إصدار اللائحة التنفيذية لقانون التقاعد والمعاشات، والسبب الثاني هو التعارض في أحكام محكمة التمييز بين مؤيد ومعارض لمبدأ الجمع، والسبب الثالث هو تفسير المادة 56 من قانون العمل سواء كان لصالح رب العمل أو العامل. وللإجابة على هذا السؤال ينبغي بيان الأتي: 1- تنص المادة 30 من الدستور القطري "العلاقة بين العمال وأرباب العمل أساسها العدالة الاجتماعية. وينظمها القانون"، وتنفيذا لذلك صدر قانون العمل رقم 13 لسنة 2004 وتعديلاته الأخيرة التي تنص في المادة 2 "يسري هذا القانون على أصحاب العمل والعمال، ويحدد حقوقهم وواجباتهم وينظم العلاقات فيما بينهم". بما يفيد وجوب تطبيق قانون العمل على فئة بعينها وهم – العمال – واستثنى فئات أخرى عددها في المادة الثالثة من القانون سالف الذكر، فتكون بمثابة قانون خاص بهم فقط. وبناء على ذلك، أحكام قانون العمل وتعديلاته كافة هي أحكام آمرة ومتعلقة بالنظام العام بحسبان أن ما أراده المشرع لدى إصدار قانون العمل هو تحقيق مصلحة عامة اجتماعية تتمثل في الحفاظ على النسيج الاجتماعي من خلال الموازنة بين مصلحة العمال وأرباب العمل من حيث الحقوق والالتزامات بما يمنع من افتئات فئة منهما على الأخرى. فقرر القانون حماية للعامل بحسبانه الطرف الأضعف في العقد، بفرض أحكام آمرة لعلاقات العمل، لا يستطيع صاحب العمل الفكاك منها ولا التحايل على أحكامها واستغلال حاجة العامل في الانتقاص من حقوقه بوضع شروط تعاقدية تحقق لصاحب العمل ما أراد. 2- وتأكيدا لما سبق، فقد نصت المادة 4 من قانون العمل "الحقوق المقررة في هذا القانون تمثل الحد الأدنى لحقوق العمال، ويقع باطلاً كل شرط يُخالف أحكام هذا القانون... ما لم يكن أكثر فائدة للعامل". ومن ثم لا يجوز بحال من الأحوال أن ينص العقد أو اللائحة على حقوق أقل من الحقوق التي نص عليها قانون العمل. فلا يجوز لرب العمل أن يحرم العامل من المكافأة السنوية وإن لم ينص عليها العقد، فالحق في مكافأة نهاية الخدمة مصدره القانون، كما لا يجوز للائحة الداخلية لرب العمل أن تنتقص من حقوق العامل، حيث إن اللائحة الداخلية إنما وضعت بإرادة رب العمل المنفردة، فلا تعلو الإرادة المنفردة لرب العمل على إرادة المشرع التي تجلت في قانون العمل بوصفة الحد الأدنى للحقوق المقررة للعامل، لذلك، فلا يجوز اللائحة بين رب العمل والعامل أن تنتقص من حق العامل متى أقرها القانون للعامل. وقد تطرقت محكمة التمييز لهذا الفرض، أنه متى ما أقرت اللائحة أو العقد حقوقا للعامل تزيد عما وجد في قانون العمل أو العقد، فتثبت للعامل. وذلك بحكمها: ".....ومن ثم فلا يجوز إعمال هذه اللائحة فيما فيه انتقاص لحق العامل خلافا لما ورد في عقد العمل المحرر بينه وبين الشركة، باعتبار أن إرادتهما التي تضمنها العقد تعلو على إرادة الشركة وحدها فيما ضمته لوائحها..... ". 3- إن الحق في مكافأة نهاية الخدمة مصدره القانون. فعلى الرغم أن قانون العمل لم يٌعرف مكافأة نهاية الخدمة في المادة الأولى إلا أنه اكتفى بتنظيم شروط استحقاقها وشروط الحرمان منها. فمكافأة نهاية الخدمة هي مبلغ من النقود يتحدد في آخر أجر أساسي يتقاضاه العامل في ضوء عدد سنوات الخدمة التي قضاها لدى رب العمل، وعند انتهاء علاقة العمل يلتزم رب العمل بأداء المكافأة الى العامل. وفي ضوء ما سبق، فإن المكافأة تٌعتبر بمثابة حق خاص مصدره قانون العمل ورد في قانون خاص قواعده آمرة، والقانون ذاته هو الذي تكفل بتحديد شروط الانتقاص والحرمان أو احتسابها واستحقاقها. وهديا بما سبق، تنص المادة 54 "بالإضافة إلى أية مبالغ تكون مستحقة للعامل عند انتهاء خدمته، يجب على صاحب العمل أن يؤدي مكافأة نهاية خدمة للعامل الذي قضى في العمل مدة سنة كاملة فأكثر. وتحدد هذه المكافأة بالاتفاق بين الطرفين بشرط ألا تقل عن أجر ثلاثة أسابيع عن كل سنة من سنوات الخدمة... ". 4- إلا أن القانون رقم (24) لسنة 2002 بشأن التقاعد والمعاشات – وهو قانون سابق على قانون العمل – يعد قانوناً عاماً قُصد به تحقيق مصلحة عامة للمجتمع - والمخاطبون بهذا القانون هم من يحملون الجنسية القطرية الذين يعملون في القطاع الخاص والعام، والمصلحة عامة من هذا القانون تتمثل في إيجاد نظام تقاعدي تتسع بموجبه مظلة المعاشات إلى معظم المواطنين القطريين سواء من التحق منهم بالعمل في الحكومة وشغلوا وظائف دائمة أو غيرهم ممن كانت وظائفهم أو أعمالهم بالهيئات والمؤسسات العامة والشركات المساهمة التي انضمت لهذا النظام بقرار من مجلس الوزراء، وهذه المصلحة تقتضي وجوب تطبيق أحكام هذا القانون – كأصل عام – على جميع الموظفين والعاملين القطريين في الجهات المشار إليها، فيعد بذلك قانوناً عاماً قصد به تحقيق مصلحة عامة للمجتمع، ولا يستطيع العامل أو الموظف الفكاك من هذا القانون. التعديل التشريعي في عام 2016 5- ينبغي الإشارة إلى أنه عندما صدر قانون التقاعد والمعاشات، لم يكن يحتوي على نص قاطع الدلالة يحظر العامل المستحق للمعاش التقاعدي صراحة من استحقاق المكافأة حسب قانون العمل. إلا أن المشرع تدخل – في التعديل التشريعي عام 2004 - آنذاك في المادة (23) مكرر "لا يجوز للموظف أو العامل الجمع بين المعاش المستحق طبقاً لهذا القانون ومكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها في القوانين أو اللوائح في الجهات الخاضعة لأحكام هذا القانون، ويستحق الموظف أو العامل الذي تزيد مدة خدمته الفعلية على عشرين سنة مكافأة نهاية خدمة تتحملها جهة عمله وفقاً لما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون.". ولما كانت الصياغة التشريعية للمادة 23 مكرر مبهمة وذلك لأنها لم تستبعد مواد أحكام العمل صراحة عوضا أن اللائحة التنفيذية لقانون التقاعد لم تصدر بعد، فضلا عن أن المادة (23) مكرر وردت في قانون عام أٌريد بها أن تٌقيد نصا في قانون خاص وهو ما لا يتفق مع صحيح القانون. ومع ذلك، فإن محكمة التمييز لم تعمل بهذا النص في الطعن رقم 199 لسنة 2015 الصادر في جلسة 15/12/2015 وآية ذلك أن السلطة التنفيذية لا يجوز لها أن توقف العمل النص التشريعي وذلك أن إصدار اللائحة التنفيذية – التي من اختصاصها – لم تصدرها بعد فلا يجوز لها أن تتولى سلطة التشريع. وحكم محكمة التمييز ترك أثرا عظيما، إذ تدخل المشرع – ليس لإصدار اللائحة التنفيذية – بل لإلغاء المادة 23 مكرر وفق القانون رقم (14) لسنة 2016 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (24) لسنة 2002 بشأن التقاعد والمعاشات. تباين أحكام محكمة التمييز 6- إن أحكام محكمة التمييز منقسمة في مسألة الجمع بين مكافأة نهاية الخدمة والمعاش التقاعدي للعامل القطري في القطاع الخاص. فالتوجه المؤيد للجمع يستند إلى أن قانون التقاعد والمعاشات – بوصفه قانونا عاما – لم يستبعد بشكل صريح الاستثناء الوارد بالمادتين (54) و(56) من قانون العمل من استحقاق العامل القطري الذي قضى فـي العمل مدة سنة فأكثر- عند انتهاء خدمته- لمكافأة نهاية الخدمة. إلا أن هنالك أحكاما لمحكمة التمييز تصدت الى مطالبة العامل بمكافأة نهاية الخدمة وذلك أن نص المادة 56 من قانون العمل منحت الخيار للعامل في اختيار مكافأة نهاية الخدمة أو المعاش التقاعدي. إذ تنص المادة 56 من قانون العمل على أنه "لا يلزم صاحب العمل، الذي لديه نظام للتقاعد أو أي نظام مشابه يكفل للعامل فائدة أكبر من مكافأة نهاية الخدمة التي يستحقها... بدفع هذه المكافأة بالإضافة إلى الميزة التي يقدمها بمقتضى النظام المشار إليه. فإذا كان صافي الميزة التي تعود على العامل يقل عن المكافأة التي يستحقها، وجب على صاحب العمل أن يدفع للعامل مكافأة نهاية الخدمة وأن يعيد إليه أي مبلغ يكون قد ساهم به في النظام المشار إليه. ويجوز للعامل أن يختار بين مكافأة نهاية الخدمة وأي معاش يستحقه وفقاً لذلك النظام". تفسير المادة 56 من قانون العمل 7- لا وجه للبحث في حكمة التشريع ودواعيه عند صراحة النص، فنص المادة 56 جلي في أن "نظام التقاعد" يجب أن يكون من استحداث صاحب العمل نفسه وليس من الدولة. فالنص التشريعي ورد به كلمة "لديه" التي تٌنسب إلى جهة العمل لا هيئة التقاعد -إذ إن المخاطبين بقانون العمل هم العمال وأرباب العمل لا هيئة التقاعد- ما مؤداه أن يكون نظاما خاصا بجهة العمل وليس نظاما إجباريا من قبل الدولة لا يستطيع العامل الفكاك منه متمثلا في أداء الاشتراكات في صندوق التقاعد. والأثر والمترتب على ذلك أن قانون التقاعد والمعاشات ومكافأة نهاية الخدمة حسب قانون العمل مختلفان مصدراً وسبباً، فالمعاش وفقا لقانون التقاعد والمعاشات– يُستحق إذا ما استكمل الموظف شروط استحقاقه- مصدره قانون التقاعد والمعاشات (قانون عام)، وسببه يجد صداه من قيمة الاشتراكات المسددة، سواء من حصة العامل أو حصة جهة العمل، أما مكافأة نهاية الخدمة، فمصدرها الأصيل قانون العمل (قانون خاص)، وسبب استحقاقها مرده أداء العامل لعمله المدة التي تحسب على أساسها المكافأة فلا يعتبر هذا المعاش بحال، بديلاً عن مكافأة نهاية الخدمة. كما أنه يترتب على تغاير مصدر كل من المعاش والمكافأة جواز الجمع بينهما، وآية ذلك أن المكافأة يتم صرفها من قبل رب العمل أما المعاش يٌستحق من قبل هيئة التقاعد. 8- أخيراً، نشير إلى أن إرادة المشرع التي تجلت في الدستور القطري على أن العدالة هي العلاقة بين رب العمل والعامل. وبالتالي، فإن كل التشريعات ما دون الدستور تستمد شرعيتها وشريعتها من الدستور، فلا يجوز أن تٌحييد التشريعات ما دون الدستور عن إرادة المشرع سواء كان متعارضا أو معدلا أو معفيا لقاعدة سنها المشرع. وهو ما يترتبع على أثر بالغ الأهمية لمحكمة التمييز بأن تصل للحقيقة في النزاع بناء على النص التشريعي وصولا إلى إرادة المشرع. وهديا بما سبق، وبما أن المشرع باستطاعته أن يمنع العامل القطري من مكافأة نهاية الخدمة بتعديل قانون العمل وإدراج نص صريح على المنع وهو ما لم يحدث بعد. وطالما أن المشرع لم تتجلى إرادته بنص واضح الدلالة في قانون العمل أو قانون التقاعد والمعاشات على المنع، فلا يجوز القياس بقانون عام وإحلال قواعده على القانون الخاص على الرغم من أن لكٌلٍ من القانونين غرضا سن لأجله.