12 سبتمبر 2025

تسجيل

فلترة العقول

02 نوفمبر 2021

تشكل المعتقدات والتصورات التي يعتنقها الفرد ويؤمن بها جوهر حياته والمُسير الأول لها، فتخضع لقانون أفكاره وتصوراته، وبما أن الأفكار تتباين من مرحلة إلى أخرى لذا تجد أن سلوك الإنسان متغيراً أيضا وفق ما يؤمن به من أفكار ومعتقدات متجددة ومتحولة. ولكن ما يستدعي التوقف والنظر هو السؤال الذي يستوجب الإمعان والتفكر وهو: هل يتحقق الفرد من المعتقدات والأفكار التي يؤمن بها تجاه أي موضوع وأي مسألة في عالمه؟ هل هي معتقدات صحيحة أم خاطئة؟ إيجابية أم سلبية؟ عميقة أم سطحية؟ مرنة أم جامدة؟ هل راجعت نفسك يوماً في معتقد قد آمنت به وبنيت عليها قرارات وأحكاما؟! هل أعدت قراءته وصياغته بشكل مختلف؟ هل تساءلت إن كانت معظم المشكلات التي مررت بها كان لها علاقة بهذا المعتقد بشكل أو بآخر؟! معظمنا يتلقى بعض المعتقدات والأفكار كأمر بديهي مسلم به، غير أن كل معتقد ليس من الثوابت فهو قابل للتغيير والانتقاد والتطوير. وبما أن كل شيء حولنا ولد من رحم الفكرة فإن سلوكياتنا هي نتاج أفكارنا وأفكارنا هي (الدينامو) والمحرك لهذه السلوكيات تجاه أي شخص أو موضوع أو موقف يمر بنا في يومنا، وإذا تأملت عزيزي القارئ فإنك الوحيد القادر لأن تجعل نفسك وعالمك سعيداً هانئاً مطمئناً وذلك عندما تمارس التيقظ والانتباه لأفكارك التي تعكس مشاعرك وبالتالي تؤثر في سلوكك!! إن السعادة على سبيل المثال شعور يتوصل إليه الإنسان من خلال أفكاره وتغيير الأطر في نظرته للأمور والأشخاص من حوله، فإذا كنت لا تستلطف شخصاً ما لسبب ما فابحث عن أي حسنة جميلة فيه وإن كانت متناهية الصغر، وعظمها في نفسك، وانظر إليه من خلال هذا الفلتر الجديد! ولا يقتصر الحديث عن السعادة حصراً، فجميع المعتقدات والآراء قابلة للفلترة والتحويل. إذاً الحقيقة السعيدة هنا إنك تستطيع أن تبدل عالمك بقليل من الوعي والانتباه لطريقة تفكيرك!! فأنت وحدك تقرر إذا ما كان عملك رائعا وزوجتك جميلة وأطفالك مدهشين وإذا ما كان يومك بإذن الله سيمضي سعيداً !!! فكل ذلك معتقد تنسجه في عقلك عنهم فإذا آمنت بانهم كذلك كانوا بالفعل كذلك في نظرك. فإذا كان مفتاح السر بين يديك؛ فلماذا تنشد السعادة مثلاً في ماديات وكماليات وتلهث خلف الثروات والوفرة حاضره في هذا الكون وهي بين يدي الرزاق الكريم؟ إن بعض السلوكيات التي تلهث في سباق خلف تصورات بائسة عن السعادة تعزز من وضع سائد يعمق نخبوية السعادة في المجتمع، بيد أن قليلاً من الوعي والتبصر وإرجاع التفكير وإعماله قد ينقلك إلى نقطة أخرى بعيدة ربما تضيء ظلمة داخلك. وقد ينتقد البعض هذا التصور الذي يبرئ الواقع الاجتماعي وأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية من انعكاساته السلبية على الفرد، ولكني قد اختلف مع هذا الاعتراض وربما تحدثت عنه في موضع آخر ومما لا شك فيه أن الحياة العصرية بمظاهرها المتنوعة باتت تشكل عبئاً على نفس الإنسان وترهق كاهله بمنغصاتها المتعددة بداية من هاتفه المحمول الذي أصبح مصدر التشويش الأول لنقاء الإنسان وصفاء جوه وانتهاءً بتلك المباني العالية الحديثة التي تحجب نور الشمس وتشعر الإنسان بمدى ضآلته أمام ضخامتها المبهرة، ومن هنا باتت الحاجة ملحة لأن نبحث عن الهدوء والسلام والتمهل وكبح جماح وتيرة الحياة السريعة لنعود لأنفسنا التي تاهت في خضم المشتتات التي تمتلئ بها أيامنا. فلا تجعل واقعك رهينة بشكل مطلق لواقع حياة فرضته علينا عقليات ورؤى دخيلة بغض الطرف عن انتماءاتها وأهدافها. وربما ممارسة الحوار المنطقي مع النفس والاختلاء بها بين الفينة والأخرى خلال اليوم قد يساعد في ذلك، ويتيح فرصة للعقل في أن يعري المفاهيم والاعتقادات ويجد مساحات جديدة للتفكير تمكنه من الوصول إلى الحكمة التي هي ضالة المؤمن، فينتقل من التسليم إلى الاستنتاج، ولعل ذلك يغري العقل لمزيد من الاستنتاجات التي تضفي نوعاً من السكينة إلى النفس حين يصل بحكمته إلى ما يرضي ذاته ويدخل الطمأنينة إليها، فإذا ارتفع ستار التعصب والتعقيد والاستنصار للرؤى؛ أصبحت العقلية أكثر مرونة وتقبلاً وانفتاحاً، وبالتالي تبدأ آثار السكينة والاتزان بالتمظهر على حياة الفرد ويبرز دورها الفعال في علاقاته وعمله. [email protected]