12 سبتمبر 2025
تسجيللا يمرُّ يومٌ، منذُ أن هيمنتْ قيادةُ أبوظبي على الرياضِ، واحتكرتْ قرارها السياسيَّ، دون أزماتٍ عظيمةٍ تمرُّ بالسعوديةِ، وتؤثرُ سلباً على تأثيرها ودورها الدوليينِ. ورغم ذلك، لا نسمعُ صوتاً سعودياً واحداً يطالبُ بإنهاءِ الاستعمارِ السياسيِّ الظبيانيِّ للمملكةِ، وإعادتها إلى مكانتها السابقةِ كحجرٍ للزاويةِ في عالمينا العربيِّ والإسلاميِّ، مما يدفعنا لقراءةِ المشهدِ السياسيِّ السعوديِّ من ثلاثِ زوايا كالتالي: 1) حصارُ بلادنا: فبعدَ خطابِ سموِّ الأميرِ المفدى في الأممِ المتحدةِ، يومَ الثلاثاءِ الماضي، والذي تضمنَ موقفنا الثابتَ من دعوةِ دولِ الحصارِ للحوارِ، خرجَ عادل الجبير بتصريحاتٍ جوفاءَ قالَ فيها إنَّ بلاده مستعدةٌ لإطالةِ الحصارِ لعشراتِ السنين. ثم ارتكبَ حماقةً لا تليقُ بتاريخه الديبلوماسيِّ عندما شبَّهَ حصارَ بلاده لنا بالعزلةِ التي فرضتها الولاياتُ المتحدةُ على كوبا خلالَ الفترة من 1959 — 2015م. فكأنه يعتقدُ أنَّ بلاده كالولاياتِ المتحدةِ رغم أنَّ مجردَ المقارنةِ بينهما تدلُّ على ضمورٍ في الوعيِّ السياسيِّ. فأمريكا هي الدولةُ العظمى الأولى، وفيها مؤسساتٌ تخططُ للحفاظِ على مصالحها الكونيةِ، ولديها مقدراتٌ وقدراتٌ لتنفيذها، وتدارُ شؤونها بنظامٍ ديمقراطيٍّ. بينما السعوديةُ دولةٌ قويةٌ داخلَ إقليمها الخليجيِّ فقط، ولا إمكانات عندها للتأثيرِ خارجه إلا إذا تحالفتْ مع قوى أخرى كما تفعلُ مع الكيانِ الصهيونيِّ علانيةً، ولديها مشكلاتٌ مزمنةٌ ناتجةٌ عن عدائها للديمقراطيةِ وحقوقِ الإنسانِ والإصلاحاتِ الحقيقيةِ. أما كوبا، فكانَ ينبغي عليه تشبيهُ السعوديةِ بها، لأنها كانت تدارُ في عهد ڤيديل كاسترو بنفسِ الألياتِ الاستبداديةِ التي تدارُ المملكةُ بها. في حينِ تمتلكُ بلادنا ثروتينِ عظيمتينِ؛ الأولى: النظامُ السياسيُّ المتحضرُ العادلُ الساعي للانتقالِ بها إلى مصاف الدولِ الحديثةِ ذاتِ المؤسساتِ والمجتمعِ المدنيِّ. والثانيةُ: الشعبُ المتعلمُ المثقفُ الذي لديه إنجازاتٌ يحافظُ عليها ويسعى لتطويرها ويدافعُ عنها. وهاتانِ الثروتانِ هما اللتانِ أدارتا ثرواتِ النفطِ والغازِ والاستثماراتِ لتخدمَ عوائدها بلادنا، وتضمنَ حياةً كريمةً لأجيالنا القادمةِ، وتسهمَ في دعم أشقائنا العربِ والمسلمينَ. مما يجعلُ من تشبيهها بكوبا أمراً مضحكاً يتندرُ به العقلاءُ. 2) تضاؤلُ التأثيرِ السياسيِّ: فلم تستفدِ الرياضُ شيئاً من تبديدِ ثرواتِ الشعبِ السعوديِّ في شراءِ الولاءاتِ الدوليةِ كما فعلتْ مع ترامب. ولم تجنِ من اندفاعاتها الوديةِ تجاه الكيانِ الصهيونيِّ إلا خسائرَ فادحةً استنزفتْ رصيدَ قواها الناعمة في قلوبِ العربِ والمسلمينَ، وعزلتها عنهم. فحتى ترامب شعرَ بأنَّ المملكةَ وضعتْ كلَّ البيضِ في سلته، فلم يعدْ يبالي بإحراجِ وإهانةٍ قيادتها علانيةً كما فعلَ قبلَ يومينِ في خطابٍ أمامَ أنصاره تحدثَ فيه عن محادثةٍ هاتفيةٍ مخزيةٍ للمملكةِ أجراها مع العاهلِ السعوديِّ. ولم يصدرْ حتى مجردَ تصريحٍ سعوديٍّ غيرِ رسميٍّ للردِّ على ما قاله. بل إنَّ الذبابَ الإلكترونيَّ الذي يرعاه دليم القحطاني في حظائرِ التخلفِ الحضاريِّ لم ينبسْ ببنتِ شفةٍ، رغم أنه يستأسدُ على العربِ والمسلمينَ، ويتعنترُ بسفاهةٍ على دولٍ أبدتْ موقفاً إنسانياً كما فعلَ مع كندا قبلَ شهرينِ. وهذا مؤشرٌ على الضياعِ السياسيِّ وانعدامِ التوازنِ في اتخاذِ القرارِ بسببِ الانصياعِ لإمارةِ أبو ظبي في مخططاتها المتصهينةِ. 3) الضياعُ الحضاريُّ: فعندما يصبحُ الطعنُ في الإسلامِ والعروبةِ، والتوددُ للكيانِ الصهيونيِّ، والتحقيرُ العنصريُّ تجاه العربِ والمسلمينَ، واللامبالاةُ بإراقةِ دماءِ اليمنيينَ، أموراً عاديةً جداً يرددها إعلامُ المملكةِ وذبابها الإلكترونيُّ. وعندما يجتمعُ عادل الجبير علانيةً برئيسِ الموسادِ الصهيونيِّ بحضورِ هرتزل العربِ؛ السفيرِ الإماراتيِّ يوسف العتيبة، وكأنه يقول إنَّ المملكةَ لا شأنَ لها بفلسطيننا وقدسنا وأقصانا والدماء الزكيةِ لأشقائنا الفلسطينيينَ التي يسفكها الصهاينةُ، فهذه الأمورُ جميعها تدلُّ على الدخولِ في نفقِ الضياعِ الحضاري الذي لا يؤدي إلا للخروجِ من التاريخ. كلمة أخيرة: لصقرِ العربِ تميم المجدِ مبدأٌ لن نحيدَ عنه أبداً، يقول: الحوارُ دون شروط مسبقةٍ تمسُّ سيادةَ بلادنا. فإنْ استجابوا فبلادنا مستعدةٌ للحوارِ، وإنْ لم يستجيبوا فإنها تسيرُ بثباتٍ نحو مستقبلٍ رائعٍ، ولن تنشغلَ بالذين لا يرونَ أبعدَ من أنوفهم. [email protected]