27 سبتمبر 2025
تسجيلفي وسعنا القول إن ثمة نصوصاً واكبت الحراك السوري الطويل في مسعاه إلى الحرية، وما استتبع ذلك من نزف طويل، وعذابات مختلفة يشهدها السوريون.. ومازالوا. النص الأدبي رافق الثورة منذ بداياتها؛ وتمكن في هذا السياق قراءة نصوص لإسماعيل الصمادي وطه خليل وريبر يوسف في أثناء الحراك السلمي أدانت القمع الأمني، وبشرت بغد جديد. وتتالت نصوص أخرى مع تجذّر الثورة، وكتب " خلف علي الخلف، حسين الشيخ، حسان عزت، محمد المطرود.. وغيرهم " وقرأنا مقاطع جميلة على مواقع التواصل الاجتماعي لمحمد علاء الدين عبد المولى، تمام تلاوي، فايز العباس، صدام العبد الله، عارف حمزة، عمار الجمعة، أحمد الشمام.. تناغمت فيها قصائد النثر مع شعر التفعيلة في قراءات يومية للأيام السورية الدامية. غير أني هنا سأتحدث عن اسمين، لشاعرين شابين من جيل واحد؛ جيل العشرية الأولى من الألف الثالثة، لأكثر من سبب ؛ في أنهما ينتميان إلى المناطق الساخنة، وأنهما يكتبان تحت مظلة الموت الذي تعرضا له، وأنهما كتبا نصوصاً طويلة تستوفي المعاناة، وتذهب إلى الجمالي فيها. من حمص يأتي حكمة شافي الأسعد، الشاعر والأكاديمي، وعلى الطريق الواصل بين حمص ودير الزور كان الأسعد إنساناً وشاعراً وسورياً، يقرأ بلاده بوجع وأمل، الشاعر حمصي ويدرّس في جامعة دير الزور، والمدينتان أسهمتا إسهاماً واضحاً، وحين يصبح الهروب من القصف نزوحاً، يكتب الأسعد: " في النزوح أسمي هذه الغرفة: (بلاد الله الواسعة) / وأبحث عن خريطة وقاموس كي لا أضيع في (بلاد الله الواسعة) / في النزوح تحتجّ عشرون نملة في صدري تطالبني بحبة قمح ضائعة / في النزوح تخرج قصيدتي من بيت رعويٍّ مفردٍ في الصحراء/ فتشبه حائطَ لِبْنٍ آيلٍ للسقوط أو للنسيان ". ولكنه في نصه الثاني في مرثية الشجرة التي اقتطعت جراء القصف يتحفنا بنص يتجاوز محايثة اليومي إلى رؤيا جديدة تتساوق والحراك السوري: " أرثي شجرة الزنزلخت / شاهنشاه الطبيعة / وخاتون الممالك الخضراء / أرثي شجرة الزنزلخت كأنها الشهيد الأول والشهيد الأخير/.....عليها أسند حفار القبور ظهره بعد ثلاثين قبراً/ عليها بدأ طائرٌ عشّه، ولم يكمله...كيف لا أرثي شجرة الزنزلخت وقد ماتت لتحميَني من الرصاص!". ومن حلب يأتي صوت حسن إبراهيم الحسن الذي يعايش القصف يومياً رافضاً أن يغادر المكان رغم مناشدة أصدقائه أكثر من مرة، تغادر عائلة الشاعر حي هنانو ويبقى وحيداً يسجل يوميات القصف والشهداء: " في الطابق الخامس من (هنانو) يسكن لص الكلام / يسرقه من الهواء الملوث برائحة البارود / يسرقه من الطيور الهاربة عن أفراخها بعد القذيفة". ويكتب عن الحصار نصاً رائعاً يتجاوز فيه كصديقه الأسعد واقع الحال إلى فضاء القصيدة: " في الحصار / أعُدُّ الشظايا التي أخطأتني، أعُدُّ.. ثيابَ ابنتي فوقَ حبلِ الغسيلِ / أنادي (فساتينها...لا تردُّ / أعُدُّ الأصابعَ بعدَ القذيفةِ /دقاتِ قلبي/ ضلوعي /أعُدُّ.. هنا في (هنانو) البيوتَ التي لاتزالُ / على ضفَّةِ الرعبِ بعدُ/ أعُدُّ المساجِدَ، أو ما تبقّى، أعدُّ الدروبَ التي تستَعِدُّ.../أعُدُّ.. أعُدُّ.. لأنسى الضحايا / وليلَ الحصارِ الذي لا يُحَدُّ / أعُدُّ الحقوقَ التي لا تُبَاعُ / ولا تُشْترى..إنَّما تُستَرَدُّ،/ أعُدُّ حروبَ الطوائفِ؛ كم دحرجتنا! كأنَّا على الأرضِ نَرْدُ / أعُدُّ.. إلى أنْ يَعِي المستبدُّ.. بأنَّ الذي ظنَّهُ الجزرَ مدُّ".