12 سبتمبر 2025

تسجيل

الحرب

02 سبتمبر 2014

هنا مقطع من روايتي مهر الصياح، بمناسبة صدور طبعتها الثالثة:وقد تزامن اشتعال الحرب مع تلك العصابات التي نظمتها ذئاب البراري بعد أن أحست بالأمن في غيبة الأقوياء، كانت عصابات منظمة وتستهدف الدجاج وما تبقى من الغنم، وتسلطنت على كثيرٍ من القرى، وترتّب على ذلك أن قويت شوكة النساء الملولات وعاشقات الانتظار فالتقطن نخوةً غريبة عالجن بها الأمر.وفي تلك الأيام أيضاً نشطت الخيالات المتأججة عن جمال الكردماليات، عن شعورهن التي كالليل ووجوههن التي كالقمر، وعن أجسادهن التي تشد اللعاب. «السبايا السبايا...» كان الرجال يرددون. «اللعنة اللعنة...» كانت الأنسابيات يهتفن.ثم جاء الخبر الثقيل بغتةً يتراكض من منبع الحرب بعد ستة أشهر من اندلاعها، فقد استولى الأنسابيون على سلطنة كردمال بالفعل، وصلوا حتى عاصمتها دبيرا وفرّ سلطانها هاشم درب إلى جهةٍ غير معلومة ربما كانت ممالك الوسط. كانت أخباراً مؤكدة لأن كثيراً من المقاتلين عادوا، عادوا وبرفقتهم تذكارات كردمالية جلبوها من هناك، وعادوا وبرفقتهم جروح لم تندمل بعد وآثار هلع نفسي كبيرة. وفي ساحة أنسابة الكبيرة، التي كانت مخصّصة للفرح ومخصّصة للحزن ومخصّصة لأشياء أخرى عديدة، تجمّع أهل «جوا جوا» وأهل الجوار وأهل تلك الجبال البعيدة الذين قدموا على عجل واسعي الآذان، كانوا على موعد مع الأب الشيخ يوسف كرا نائب السلطان في خطابٍ مفسِّرٍ للأمر. كان خطاباً كبيراً بالفعل ألقاه صوت الهيبة الرقراق في بطءٍ وفي تفاؤل: وصف الذين تحمّلوا وزر الحرب بالمجاهدين والذين ماتوا بالشهداء والذين عادوا إلى البلاد بالأبطال العائدين؛ وصف السلطان رغد بالقائد والكبير ودخوله دبيرا عاصمة التمرّد بدخول النور المشعّ إلى أرض الظلام، ولم ينسَ أن يلمع فقرةً خاصة يدهن بها سيرة مساعد، عين الوطن التي ما نامت منذ وجدت ولن تنام ما بقيت. وحين سُئل عن حقيقة الجرح الذي أصيب به السلطان في كتفه من سهم أثناء مطاردته الخونة في أحراش كردمال وضّح صوت الهيبة الرقراق بأنها شائعة ربما بثّها الخونة أنفسهم إحداثاً للبلبلة، وأنّ مولانا في أتمّ صحة وعافية.ونطّت واحدة من جيل أنسابة الجديد، الذي غيّر كثيراً من زيّ المرأة وصوتها وطريقة تفكيرها، إلى حلق الهيبة الرقراق:– ما موقعنا في خطة التعمير الجديدة، نحن الفتيات الأنسابيات، أبي الشيخ؟ هل سنعمل ونعمر أم نظل قعيدات البيوت؟كان سؤالاً مباغتاً هزّ في الشيخ المهاب كيانه الهرموني. لم يكن من سلطة يوسف كرا أن يقترح وأن يحلّ وأن يربط وأن يواكب الطموح المتمرد، ولم يكن في ذهنه خطٌّ واضح يسير به خلف واحدة تحررية إلى النهاية. تنحنح واضطرب وبانت قواطع ذهبية مخبأة بين شفتيه، قال:– حين يعود مولاي.. حين يعود مولاي.سُئل عن مكافأة الأبطال.. حين يعود مولاي؛ عن دعم أسر الشهداء، عن خفض أسعار السلع، عن دعم السلطنة للبرسيم، عن الغلال الغائرة في الأرض وجشع المزارعين.. حين يعود مولاي، حين يعود مولاي.