15 سبتمبر 2025

تسجيل

معلم آخر

02 سبتمبر 2012

طالبني عشرات الأصدقاء، بنشر مقطع آخر من روايتي ٣٦٦، المنجزة مؤخرا، وها أنذا أستجيب بنشر هذا المقطع: "لم أكن من هواة حفلات الزفاف الصاخبة على الإطلاق، أعتبرها مناسبات خرقاء يمكن اختصارها إلى أدنى حد، وإقامتها داخل بيت صغير بلا ترف ولا ضجيج، بحضور من يعنيهم أمرها، من أهل العروسين وجيرانهم، لكن المجتمع ليس في صفي على الإطلاق، وكنت أذهب مضطرا لمشاركة من أعرفهم، وكان عبد القادر من أقاربي اللصيقين، ومن ثم لا بد من مشاركته حتى النهاية. أتيت إلى الحفل متأنقا بحسب تصوري الشخصي، ولم أكن ضليعا في الأناقة، في أي فترة من فترات حياتي، أرتدي ملابس راعيت فيها أن تبدو ملابس معلم في مدرسة، ربما يصادفه أحد تلاميذه في ذلك الحفل، ولا يحس بأنه يصادفه خارج صفوف الدراسة، أو معامل الكيمياء، قميصي أبيض بلا خطوط إضافية، وسروالي أزرق فاتح، وعطري واحد من تلك العطور السائدة في السوق، أظنه كان عطر ماكسي أو جاكومو، أو ون مان شو، لا أذكر الآن بالتحديد، ولم تكن لدي حيلة لأجعل وجهي شديد الفرح، فقد كان وجها جامدا، ممتلئا بتجاعيد، ورثتها من أسرة لم تورث سوى التجاعيد.   كان المسرح معدا بطريقة إعداد مسارح الزفاف المعروفة في البلاد، ثمة ورد أحمر وأصفر وبنفسجي، متناثر في المكان، وأضواء ملونة بألوان قوس قزح، تحلق، وسجاد من القطيفة الحمراء، مفروش على الأرض، وكرسيان مكسوان بالمخمل الأحمر، موضوعان في ركن من أركان المسرح، يجلس عليها العروسان، ومئات المقاعد البلاستيكية، التي رصت في المواجهة، وقد ازدحمت بالناس والعطور والفرح، وصراخ الأطفال، وثمة فرقة موسيقية من شباب في عشرينيات العمر، بملابس سوداء، وشعور طويلة، اسمها فرقة اللهب، تعزف على آلات متنوعة، ومغني وارف الصوت، يردد: وكان الليل أشواقا ووجهك مشرق فيها وكان الصبح دمعاتي التي احترقت أمانيها. فيا ليلي كفى شوقا ويا صبحي كفى تيها. ستشرق ذات أمنية وأنسى كل ماضيها. انتظرت حتى انتهت الأغنية التي أطربتني حقيقة، وصعدت مختبئا، في وسط عدد من الأقارب إلى حيث يجلس العروسان، حتى أؤدي واجب التهنئة المعتاد، والتمنيات بحياة زوجية سعيدة، وأمسح ذرات من العرق، انزلقت على وجهي، وأنزوي في أحد المقاعد، حتى يتقدم الليل قليلًا، وأفر إلى عزلتي المنظمة في حي "المساكن" الذي أسكنه منذ زمن، لكنك ظهرت فجأة يا أسماء، ظهرت، لا أعرف من أين وكيف، وكان ظهورك بذلك الشكل المفاجئ، هو الممحاة الكبرى التي ستزيل كل جفاء قديم جافيته للمرأة، وتنبت مكانه خفقات قلب. تعيد جنون المراهقة المفقود، كله، تبقيه قليلًا، وتلغيه، تعيد فوران الشباب المفقود أيضًا، وتبقى معربدة داخله. وجدتك أمامي كاملة، سخية الجمال، متهورة في العطر والشعر والسحر، كأنك خرجت من أمنية المغني، التي تحدث فيها عن الإشراق، ومن فوضى عازفي الطبل والغيثار، ومن كل ضحكة ضحتها امرأة، أو زغرودة أطلقتها أم أو خالة، كأنك المناسبة الكبرى التي تأنقت لحضورها. حقيقة لا أعرف كيف أصفك، فلم أصف من قبل سوى حلقة البنزين، وهايدركلوريد الصوديوم، والبوتاسيوم لطلابي القساة المستهترين، فقد كنت في تلك اللحظة بحاجة لمعلم آخر، من معلمي علم الجمال، في مدرسة من مدارس السحر، ليصفك لي.