18 سبتمبر 2025
تسجيلمازلنا مع سورة الحجرات ونتوقف مع قوله تعالى (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) (3) وقوله تعالى (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) الخ، ترغيب في الانتهاء عما نهوا عنه بعد الترهيب عن الإخلال به أن يخفضوها مراعاة للأدب أو خشية من مخالفة النهي (أولئك) إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه لما مر مرارا من تفخيم شأنه (الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) أي جربها للتقوى ومرنها عليها أو عرفها كائنة للتقوى خالصة لها فإن الامتحان سبب المعرفة واللام صلة لمحذوف أو للفعل باعتبار الأصل أو ضرب قلوبهم بضروب المحن والتكاليف الشاقة لأجل التقوى فإنها لا تظهر إلا بالاصطبار عليها أو أخلصها للتقوى من امتحن الذهب إذا أذابه وميز إبريزه من خبثه وعن عمر- رضي الله عنه- أذهب عنها الشهوات (لهم) في الآخرة (مغفرة) عظيمة لذنوبهم (وأجر عظيم) لا يقادر قدره والجملة لبيان جزائهم إحمادا لحالهم وتعريضا بسوء حال من ليس مثلهم. • قوله تعالى (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) (4) (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) أي من خارجها أو من خلفها أو قدامها ومن ابتدائية دالة على أن المناداة نشأت من جهة الوراء وأن المنادى داخل الحجرة لوجوب اختلاف المبدأ والمنتهى بحسب الجهة بخلاف مالو قيل ينادونك وراء الحجرات وقرئ الحجرات بفتح الجيم وبسكونها وثلاثتها جمع حجرة وهي القطعة من الأرض المحجورة بالحائط ولذلك يقال لحظيرة الإبل حجرة وهي فعلة من الحجر بمعنى مفعول كالغرفة والقبضة والمراد بها حجرات أمهات المؤمنين مناداتهم من ورائها إما بأنهم أتوها حجرة حجرة فنادوه- عليه الصلاة والسلام- من ورائها أو بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له- عليه الصلاة والسلام - فنادوه بعض من وراء هذه وبعض من وراء تلك فأسند فعل الأبعاض إلى الكل وقد جوز أن يكونوا قد نادوه من وراء الحجرة التي كان- عليه الصلاة والسلام- فيها ولكنها جمعت إجلالا له- عليه الصلاة والسلام- وقيل إن الذي ناداه عيينه بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس وفدا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سبعين رجلا من بني تميم وقت الظهيرة وهو راقد فقالا يا محمد اخرج إلينا. وإنما أسند النداء إلى الكل لأنهم رضوا بذلك أو أمروا به أو لأنه وجد فيما بينهم. (أكثرهم لا يعقلون) إذ لو كان لهم عقل لما تجاسروا على هذه المرتبة من سوء الأدب. • قوله تعالى (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم) (5) (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم) أي ولو تحقق صبرهم وانتظارهم حتى تخرج إليهم فإن تفيد بنفسها التحقق والثبوت وحتى تفيد أن الصبر ينبغي أن يكون مغيا بخروجه- عليه الصلاة والسلام- فإنها مختصة بما هو غاية للشيء في نفسه. وفي إليهم إشعار بأنه لو خرج لا لأجلهم ينبغي أن يصبروا حتى يفاتحهم بالكلام أو يتوجه إليهم (لكان) أي الصبر المذكور (خيرا لهم) من الاستعجال لما فيه من رعاية حسن الأدب وتعظيم الرسول الموجبين للثناء والثواب والإسعاف بالمسؤول. إذ روى أنهم وفدوا شافعين في أسارى بني العنبر فأطلق النصف وفادى النصف (والله غفور رحيم) بليغ المغفرة والرحمة وأسعهما فلن يضيق ساحتهما عن هؤلاء أن تابوا وأصلحوا.