10 سبتمبر 2025
تسجيلليس التعقل سوى صيانة المرء لهبة الله الغالية له من (العقل)، فهو في جهد مستمر، ومران متصل للارتقاء بهذه الهدية الثمينة التي تترتب عليها التكليفات الإلهية، والتأملات في الكون، والتدبر في مخلوقات الله وقوانينه المُسيّرة للحياة والناس، وتعين المرء على الحكمة والرشد في مسيرته الدنيوية. ومن استطاع أن يهذب قدراته، ويرتقي بتفكيره، بدوام التدبر والتأمل فقد حاز عقلاً ومنطقاً، وقوة حجة، واتزانا في المسلك، وانعكس ذلك على نفسه، باتزان الشعور، وحسن الظن في الأمور. ولعل أهم ما يُمكن المرء من الارتقاء بقدراته العقلية، وعملياته الفكرية التحليلية، هو أن يتدرب على التعامل مع الأطياف، وأن يضع الأمر موضعه، في سياقه الزمكاني المناسب، دون إطلاق للأحكام، أو حدة في التصنيف والإقصاء. فليس التيقن من كل أمر سوى مذهب الجاهل، الذي يجد لكل سؤال إجابة واحدة، ولكل حالة وضعا واحدا، الحياة لديه يقين كامل غير قابل للاستكشاف. قد أراح عقله من هم التفكير، وقياس الحال والمقال. لا يرى في دنياه سوى الأبيض والأسود، يدركها ببصره المحدود من زاويته المحصورة.. لا يستطيع أن يرى أبعد مما تم تلقينه، أو أدركه هو فقط من تجربته الخاصة، بقدراته العقلية الأولية البسيطة التي تنحو نحو التصنيف والعنونة، تحدي العاقل معه كبير، وصبر الحكيم عليه من المآثر المحمودة. فالحكيم العاقل يرى من تدرجات الألوان والمقامات، واختلاف صروف المراتب والهيئات والدلالات، ما يمكنّه أن يدرك العمق السحيق الذي لا يقوى على سبره جاهل. قد علم أن لكل مقام مقالا، ولكل قاعدة استثناء، وأنه ما يصح في سياق معين على هيئة مخصوصة، قد لا يصيب في سياق آخر، وأن ما يليق في زمن معين قد لا يناسب زمنا آخر، وأن لكل أمر اعتباراته. فلا يجازف بإطلاق الأحكام، وتصنيف الأوضاع والناس، لأنه يدرك جيداً أن الحياة ذات تدرجات تفوق الظاهر المدرك، وأنها تحتاج من الحكمة والحصافة ما قد يصعب على الجاهل حتى استيعابه، فتتحول مع الوقت جهالته إلى حماقة تُعيي من يداويها، إن أصر على الاستغراق في جهله، وثبط رغبته في التعلم والتهذب، فالجهل في أصله ليس جهل المعلومة، بل هو غياب الإدراك، والحماقة هي الإصرار على الجهل، والإمعان فيه حد التفاخر، فالعقل زينة المرء، والحكمة ضالته. لحظة إدراك: لن يصل الإنسان إلى مقام الإيمان بأن تكون الحكمة ضالته، أنى وجدها فهو الأحق بها، إلا إن تعقل، ولن يتعقل وهو أخو الجهالة يترفه بجهله، يرى الحياة يسيرة بتصنيفه، وبسهولة إطلاق أحكامه، والتعامل مع القشور، فلا عجب إن وصف بالتلذذ والتنعم، كما قيل: ذو العقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلهِ وأخو الجَهالةِ في الشّقاوةِ يَنعَمُ