16 سبتمبر 2025
تسجيلبرغم نجاح الدولة الروسية بإجهاض محاولة التمرد العسكري بقيادة يفغيني بروغوجين زعيم مجموعة مرتزقة فاغنر الروسية- المكونة بأغلبيتها من عسكريين ومجرمين وسجناء سابقين خلال ساعات قليلة في الأسبوع الأخير من شهر يونيو الجاري ووقف زحفهم وتقدمهم لموسكو بوساطة من حليف الرئيس بوتين-ليكاشنكو رئيس روسيا البيضاء (آخر ديكتاتوري - أوروبا)- واستقباله بروغوجين في منفاه الجديد في منسك. إلا أن تداعيات وتأثير محاولة التمرد الفاشلة، البعض يبالغ بوصفها محاولة انقلاب، لإسقاط قيادات المنظومة العسكرية خرجت عن نطاقها. يؤكد بروغوجين الذي عبّر عن استيائه وخلافه العلني مع المؤسسة العسكرية الروسية أن هدف التمرد ارسال رسالة واضحة للقيادة الروسية وللرئيس بوتين عن عدم كفاءة القيادات العسكرية وخاصة وزير الدفاع شويغو ورئيس الأركان غيراسيموف، بانتقاده إدارتهما للحرب في أوكرانيا وتأخرهما بإمداد مقاتليه في باخموت الذين تساقطوا بالآلاف! ومطالبته بوتين بعزلهما. شغلت مجموعة مرتزقة فاغنر العالم بدورها وحضورها وتحالفها مع أنظمة سلطوية، ومشاركتها في عمليات عسكرية غير شرعية تخدم مصالح ومشروع روسيا في الخارج. واعترف الرئيس فلاديمير بوتين بتمويل مجموعة فاغنر ب1.1 مليار دولار سنوياً من ميزانية وزارة الدفاع. ما يعني هناك علاقة وثيقة خاصة بين بوتين وزعيم فاغنر بروغوجين-الذي يعرف في الإعلام الروسي "طباخ بوتين"! وكان لمجموعة المرتزقة دور حيوي في الحرب على أوكرانيا حيث لعب المرتزقة دوراً قيادياً في معارك ضارية ضد القوات الأوكرانية وخاصة في السيطرة بعد قتال لأشهر وسقوط آلاف القتلى من الطرفين-في السيطرة على مدينة باخموت الأوكرانية. ويقال ان عدد قتلى قوات مرتزقة فاغنر يتجاوز 25 ألف قتيل! تركت محاولة التمرد الكثير من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية لما جرى وكيف ستؤثر على مكانة وهيبة روسيا وعلى الرئيس بوتين وقدرات ونظرة حلفاء روسيا وخصومها لدور روسيا وحربها على أوكرانيا وعلاقتها مع حلفائها وخاصة الصين؟ وانعكاس ذلك كله على عمليات مجموعة فاغنر خاصة في سوريا وليبيا والسودان ودول أفريقية جنوب الصحراء؟ لا شك أن روسيا وظفت واستفادت من اسهامات مجموعة مرتزقة فاغنر في تعزيز مشروعها لتستعيد دورها كقوة كبرى للتدخل وتلعب دورا مؤثرا في الأزمات العالمية وخاصة في مناطق حيوية للغرب بعودتها للشرق الأوسط من بوابة سوريا لإبقاء نظام الأسد في دمشق وإقامة قاعدتين جوية في حميم وبحرية في طرطوس. ولعبت قوات فاغنر دورا في دعم دور روسيا العسكري. وتدخلت فاغنر في ليبيا بدعم قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق الشرعية في ليبيا منذ عام 2017! كما تلعب مجموعة فاغنر دورا مؤثرا وحيويا تنافس فيه الوجود الفرنسي التاريخي في مستعمراتها السابقة في غرب أفريقيا وتدعم أنظمة انقلابية وسلطوية في مالي وبوركينا فاسو وفي دول جنوب الصحراء الكبرى-في جمهوريات الكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى ورواندا وموزامبيق وأنغولا وزيمبابوي ومدغشقر. ما يعزز نفوذ ومشروع روسيا في شمال وجنوب أفريقيا. عززت روسيا دورها وحضورها الدولي خلال العقد الماضي بقيادة ولعب دور مؤثر لتشكل مع الصين الحليف الاستراتيجي ودول الجنوب ومنظمات دولية، خاصة مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون تريد روسيا والصين استثمار وتطوير العلاقات معهم لتشكيل وبلورة نظام عالمي متعدد الأقطاب يكون لهما بصمات وحضور مؤثر يضعف هيمنة الغرب على النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة وذراعها العسكري حلف الناتو الذي يتوسع ويقترب ويزيد مساحة حدوده مع روسيا بضم فنلندا. وتقارع أمريكا الصين في عقر نفوذها بحصارها بتحالفات وقواعد عسكرية مع تايوان واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والفلبين. وكان ملفتاً انتقاد وزير الخارجية الروسي لافروف مؤخراً انتقاد الغرب مجدداً-وتأكيده سعي روسيا لتوسيع عضوية مجلس الأمن لضم دول من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنظمة شنغهاي! متهماً الغرب بالتخطيط لهزيمة روسيا أولاً ثم الحديث عن السلام في أوكرانيا! لكن لعب روسيا دور ضحية مؤامرات الغرب ضُرب في الصميم بعملية تمرد مجموعة فاغنر الموالية والمدعومة والممولة من روسيا وتنفذ مهامها وتدافع عن مصالحها في الخارج وأهمها في أوكرانيا. لذلك لا يمكن لروسيا ادعاء وترويج تمرد فاغنر مؤامرة غربية هدفها إضعاف روسيا وهزيمتها لمنعها من تحقيق مشروعها بإعادة تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب تلعب دوراً رئيسياً فيه مع الصين لمواجهة وتحدي الغرب. صحيح هدف الغرب بقيادة واشنطن إضعاف وإنهاك وإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا-كما يعترف بايدن وبلنكين وأوستن، حتى لا تفكر بتهديد الأمن الأوروبي بعد هزيمة أوكرانيا. لكن الصحيح أيضاً أن الغرب لا يسعى لسقوط روسيا في مستنقع الفوضى والصراع الداخلي لأهمية استقرار روسيا الضعيفة للأمن الأوروبي والعالمي. خاصة أن روسيا تملك ثاني أقوى جيش في العالم برغم تعثره في أوكرانيا- والدولة الأولى بالأسلحة النووية والصواريخ العابرة للقارات ب6000 رأس نووي! قدمت روسيا نفسها لحلفائها في الشرق والغرب وحتى لدولنا الخليجية بأنها واحة استقرار، وحليف موثوق ويمكنها تعويض فراغ تراجع أمريكا الحليف المتردد في الخليج. فإذا بروسيا الحليف الموعود يتخبط، وتراجعت الثقة به، بعد زلزال فاغنر. كما أن تراجع هيبة روسيا وبوتين العاجز يعزز دور إسرائيل وإيران وتركيا في سوريا والمنطقة، لتحقيق مصالحهم بعيداً عن الضغط الروسي! وبرغم وقوف دول الخليج على الحياد واتصال قادة خليجيين ببوتين ليدعموا إجراءات حماية النظام الدستوري (بإنهاء التمرد). لكن تساورنا الشكوك هل روسيا بحليف مستقبلي موثوق؟! وأن بقاء كثير من الدول على الحياد ليس الخيار الصائب لكون روسيا قوة متراجعة! الواقع أن حاجة روسيا لحلفائها، وخاصة للصين، أكثر من حاجة حلفائها لها! ما يضعف ويحرج مشروع الصين في مواجهتها مع الولايات المتحدة والغرب، ولتواطؤها على جرائم روسيا في أوكرانيا!