12 سبتمبر 2025
تسجيلمر الحديث بنا عن الميزات التي ذكرها أهل العلم في القصة القرآنية، ووقف السير عند الميزات التربوية للقصص القرآني، وذكرنا من ملامحها ما يلي:3) إيقاظ القارئ بشغل حواسه وفكره معا.4) واقعية القصة وعدم الاعتماد على الإثارات المخالفة للعقل والمنطق، أو السباحة في بحور الخيال. واليوم نقف عند معنى آخر ومظهر متمم لما سبق وهو:5) شحذ القصة القرآنية العواطف البشرية للارتقاء بها إلى السلوك الشرعي وذلك على النحو التالي:أ ) إثارة الانفعالات كالخوف والترقب، وكالرضا والارتياح والحب، وكالتقزز والكره، كل ذلك يثار في طيات القصة بما فيه من وصف رائع ووقائع مصطفاة، فقصة يوسف مثلاً تربي الصبر والثقة بالله، والأمل في نصره، بعد إثارة انفعال الخوف على يوسف، ثم الارتياح إلى استلامه منصب الوزارة.ب ) توجيه جميع هذه الانفعالات حتى تلتقي عند نتيجة واحدة هي النتيجة التي تنتهي إليها القصة، فتواجه مثلاً حماسة قارئ القصة نحو يوسف وأبيه، حتى يلتقيا في شكر الله في آخر القصة ، ويوجه بُغْض الشر الذي صدر عن إخوة يوسف حتى يعترفوا بخطئهم ويستغفر لهم أبوهم في آخر القصة، وهكذا.ج) المشاركة الوجدانية حيث يندمج القارئ مع جو القصة العاطفي حتى يعيش بانفعالاته مع شخصياتها، ففي قصة يوسف يعتري القارئ خوف أو قلق عندما يراد قتل يوسف، وإلقاؤه في الجب، ثم تنسرح العواطف قليلاً مع انفراج الكربة عنه، ثم يعود القارئ إلى الترقب عندما يدخل يوسف دار ( العزيز ) وهكذا يعيش القارئ مع يوسف في سجنه وهو يدعو إلى الله، حتى يفرح بإنقاذه، ثم بتوليه وزارة مصر، وبنجاة أبيه من الحزن، وهو في كل ذلك رسول الله والداعية إلى دينه.4) تمتاز القصة القرآنية بالإقناع الفكري بموضوع القصة.أ ) عن طريق الإيحاء، والاستهواء والتقمص، فلولا صدق إيمان يوسف لما صبر في الجب على الوحشة، ولما ثبت في دار امرأة العزيز على محاربة الفاحشة والبعد عن الزلل، هذه المواقف الرائعة توحي للإنسان بأهمية مبادئ بطل القصة وصحتها، وتستهويه صفات هذا البطل وانتصاره بعد صبر ومصابرة طويلة، فيتقمص هذه الصفات حتى إنه لقلدها ولو لم يقصد إلى ذلك، وحتى إنه لَيردّدُ بعض هذه المواقف ويتصورها ويسترجعها من شدة تأثره بها.ب ) عن طريق التفكير والتأمل: فالقصص القرآني لا يخلو من محاورات فكرية ينتصر فيه الحق، ويصبح مرموقا محفوفا بالحوادث والنتائج التي تثبت صحته، وعظمته في النفس وأثره في المجتمع، وتأييد الله له. ففي قصة يوسف نجد حوارا يدور بينه وبين فتيين عاشا معه في السجن فدعاهما إلى توحيد الله. وقصة نوح كلها حوار بين الحق والباطل، وكذلك قصة شعيب، وصالح وسائر الرسل: حوار منطقي مدعوم بالحجة والبرهان يتخلل القصة، ثم تدور الدوائر على أهل الباطل ويظهر الله الحق منتصرا في نتيجة القصة، أو يهلك الباطل وأهله، فيتظاهر الإقناع العقلي المنطقي والإثارة الوجدانية، والإيحاء وحب البطولة ( الاستهواء ) والدافع الفطري إلى حب القوة وتقليد الأقوياء، تتظاهر كل هذه العوامل وتتضافر، يؤيدها التكرار مرة بعد مرة، فما أكثر تكرار بعض قصص القرآن حتى تؤدي بمجموعها إلى تربية التصور الرباني للحياة وللعقيدة واليوم الآخر وإلى معرفة كل جوانب الشريعة الإلهية معرفة إجمالية وإلى تربية العواطف الربانية من حب في الله، وكراهية للكفر وحماسة لدين الله ولحماته، ولرسل الله، وولاء الله وانضواء تحت لوائه، وإلى السلوك المستقيم وفق شريعة الله، والتعامل حسب أوامره، وبهذا تحيط القصة القرآنية نفس الناشئ بالتربية الربانية من جميع جوانبها العقلية والوجدانية والسلوكية.