13 سبتمبر 2025
تسجيلمن منازل أهل السير إلى الله عز وجل: منزلة المحاسبة، والمحاسبة طريقة أهل الصلاح، وسمة الموحدين، وعنوان الخاشعين، فالمؤمن يعيش حياته بين خوف وحب، وترغيب وترهيب، متق لربه محاسب لنفسه مستغفر لذنبه، يعلم أن النفس خطرها عظيم، وداؤها وخيم، ومكرها كبير وشرها مستطير، فهي أمارة بالسوء ميالة إلى الهوى، داعية إلى الجهل، قائدة إلى الهلاك، توّاقة إلى اللهو إلا من رحم الله، فلا تُترك لهواها لأنها داعية إلى الطغيان، من أطاعها قادته إلى القبائح، ودعته إلى الرذائل، وخاضت به المكاره، وقد قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون* ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم" يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي – رحمه الله - هذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه وأنه ينبغي له أن يتفقدها فإن رأى زللاً تداركه بالإقلاع عنه والتوبة النصوح والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه وإن رأى نفسه مقصراً في أمر من أوامر الله بذل جهده واستعان بربه في تتميمه وتكميله وإتقانه ويقايس بين منن الله عليه وبين تقصيره هو في حق الله فإن ذلك يوجب الحياء لا محالة، والحرمان كل الحرمان أن يغفل العبد عن هذا الأمر ويشابه قوماً نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها فلم ينجحوا ولم يحصلوا على طائل.ومن منزلة المحاسبة يصح له نزول منزلة التوبة لأنه إذا حاسب نفسه، عرف ما عليه من الحق، فخرج منه، وتنصل منه إلى صاحبه، وهي حقيقة التوبة فكان تقديم المحاسبة عليها لذلك أولى. بل لا تكون محاسبة بلا توبة. يقول ابن القيم رحمه الله: التحقيق أن التوبة بين محاسبتين: محاسبة قبلها، تقتضي وجوبها، ومحاسبة بعدها، تقتضي حفظها، فالتوبة محفوفة بمحاسبتين، وقد دل على المحاسبة قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} فأمر سبحانه العبد أن ينظر ما قدم لغد، وذلك يتضمن محاسبة نفسه على ذلك، والنظر هل يصلح ما قدمه أن يلقى الله به أو لا يصلح؟ للعرض الأكبر {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}.