13 سبتمبر 2025

تسجيل

معلّلتي بالوصل

02 يوليو 2013

كان الموت دونه، أي والله..قد كان دونه، مرّت أيام وأيام.. والقمر الفضي صار أحمر، ولم أكتب لكِ.. من زمان لم أفعل، تقولين: على بابي يقف الخاطبون، وفي البيت بنو عمي، وفي الحيّ يرمونني بالكلام، تقولين: القمر الأحمر يبكي كل مساء، صار يطلع في النهار أيضاً فيبكي، الغيم أيضاً صار أحمر، الحليب صار أحمر، فقاعات الصابون، القهوة في فناجين السابعة صباحاً، لا تأتِ.. الجنون يرقص في الحيّ، والخاطبون يكسرون الباب. أجل.. كان الموت دونه، وكنت ظمآناً، جفّ حلقي من العطش، شربت..شربت ولم أرتوِ، ثمة صيف في حلقي، صيف طويل وحارّ، كانت الأنهار تذوب في فمي، وأنا أشرب، شربت.. وكانوا يعيثون في البيت، لم تنسجي قميصاً أول النهار ليصدقوا أنني آتٍ آخر الليل، لم تغلّقي الأبواب، ولم تهربي إلى ظلّ ظليل.فكيف للشجرة أن تهرب عن عصافيرها؟ هي ليست شجرة ولكنّ الخاطبين كانوا يغرّدون، هذا يمنّيها بنهرٍ من عسل، وذاك يمنّيها بثياب من حرير وذهب، كانت تمشي على الموسيقى.. نعم، ويغنّون لها، وكانوا ينفضّون عنها، فتعود الضحكات إلى الدُّرْج، والحكايات إلى الدفتر، وتنام. كأيّ مكان أغفى بين داليةٍ وظلّ. بيني وبينها الآن قمر، له مرتعه، ودربه، وحصصه المدرسية، يمرض أحياناً، ويشقى أحياناً، ويجنّ أحياناً أخرى، يدير لي خدّه المضيء إذا انتصف الشهر، وهرب الراتب؛ دراهمي على قدرها، أُخرِج أيامي من دفاتر ألف ليلة وليلة، رنين الدراهم يعلو، وأنا أغني للقمر، دليلي إليها، بعدما امتدت بيننا البيد: يُشاغلني عن دار ليلى احترابُها وكيف على قلبي الضعيفِ اجتنابُها وقلت لصحبي: والدروب تناثرت تأخرت عن ليلى فأين رحابُها ألا ليت حزني هل تفيض مدامعي ببابٍ لليلى.. قد تكسّر بابُها بيني وبينها الآن موت، كان قمراً بخدّ مضيء، موتٌ بجنوده وضحاياه ونصاله، موتٌ عذب، موتٌ عذاب، يقضم رغيفه على مهل، يدوس النجوم التي كانت خاطبين على الباب، حول دارها الآن ألف ألف نجمة، تزيّن البيت لعريس جديد، والموت ينشد بلا مبالاة: " عريس الزين يتهنّى"، وليلى تعدّ لعريسها الجديد قبراً سعته شهقة فضاء ومتر من الأرض. بيني وبينها الآن قمرٌ يذوب، ومتر من الأرض، معلّلتي بالوصل، تخذلني إليك خطاي، كأي رحّالة نثرته البلاد في متاهات الأمل والقلق، كأي غيمةٍ أجّلت رقصة المطر، كأيّ بلاد حرمها أبناؤها من النوم.