14 سبتمبر 2025

تسجيل

صراع البقاء ومعركة الفناء

02 يوليو 2013

قالت الإذاعة البريطانية إن عدد المتظاهرين في مصر (30/6) هو الأكبر في مظاهرات الأحداث السياسية عبر التاريخ الإنساني، ونقلت الأنباء عن جوجل إرث إحصاء بأن عدد الحشود وصل إلى 14.3 مليون منهم 3.8 مليون بالتحرير و2.6. كانت هناك ابتسامة على الوجوه، وعلق أحد المشاركين "أول مرة ألاقي الناس تبتسم وتسامح من مدة طويلة!"، والظاهرة الرئيسية أن نسبة الأسر في المسيرات كبيرة، وأن أجناب الطرق عليها سكان يقفون أمام المنازل، أو في شرفات المنازل. هكذا حقق المصريون المفاجأة، ليس في العدد وحالة الثقة والحالة المعنوية لهم، وسلمية المظاهرات، ولكن في أنهم أعلنوا أنهم يخوضون معركة استرداد وطنهم وهويتهم، بينما أن السلطة وجماعتها والموالين لهم، لم يعرضوا سوى أنهم هم الثورة والباقي أعداؤها، وأنهم هم الشرعية ومن يريد مشاركتهم عليه انتظار الانتخابات النيابية القادمة، وثالثة الأثافي أن الدم والرصاص هما الأسلوب للدفاع عما قرروا، زيفا هو أو حقيقة، ولكن ليس لديهم إلا القتل. ما الذي يدفع بالإخوان والسلطة والجماعات الدينية، إلى الاعتقاد أنه يمكنهم أن يفرضوا وجودهم بالدم على بني جلدتهم؟ من أفتى بهذا؟ وماذا يعرضون؟ المؤلم أن إدراكهم للرفض الشعبي لم يأت عن كفر أو عناد، ولكن الرفض الشعبي نتيجة مباشرة للفارق في مفهوم الصراع، فالشعب يخوض معركة هدفها "عيش ـ حرية ـ عدالة اجتماعية"، صراع بقاء إنساني مشروع، والإخوان ومن والأهم يخوضون معركة التكفير لمن عداهم والتمكين المطلق لأنفسهم حتى وإن باعوا أنفسهم للشيطان بإراقة الدم الإنساني، غير مدركين أنهم بأيديهم حولوا معركتهم إلى معركة الفناء السياسي، وربما الإنساني. كان خطاب مرسي في 26 يونيو كمن يرفع الستار عن حقيقة صورة دوريان جراي، حيث تركت كل الأفعال الشيطانية أثرها على صورته بين المواطنين، وكأنه كان يحشد مع إدارة "تمرد" ليوم 30 يونيو، وكان التعبير الأشهر له "كفاية سنة!"، وكأنه يمن على المصريين بأنه صبر عليهم سنة من حكمه، لينطلق بعد ذلك مهددا ومتوعدا الجميع وبلا استثناء، وبالقانون، ولأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة ــ وكررها عدة مرات ربما ليقنع نفسه بها ــ فأيضا المحاكم العسكرية موجودة، ولم يأت بكلمة حول جريمة زاوية أبو مسلم حيث قتل أربعة من الشيعة، تحت مظلة حالة تحريضية مذهبية، يمارسها العديد من المشايخ، ومارسوها في حضوره، وردد هو بعضا من هذا التحريض، ليصبح حديثه بعيدا عن أي منطق أو مواكبة للأحداث. كانت كافة المقدمات تقول إن يوم 30 يونيو قد بدأ قبل موعده، ولكن لأن أي دعوة سياسية، مهما كان صحة منطقها، تظل تحت الاختبار حتى تستجيب الجموع الشعبية لها بالحركة، وتظل محل الشك في تحقيق أهدافها حتى تكتشف آلية التعامل مع الهدف، وأيضا لأن دروس وتجارب الثلاثين شهرا الماضية مازالت مرارتها في الحلق، فإن القلق يتزايد والأسئلة تكثر، وكأنها تحاول أن تستدعي أعلى حالات اليقظة والانتباه: 1. كانت المكالمة من السويس، تسأل ما الأحوال عندكم، ويستكمل دون انتظار رد، "ما يحدث هنا في السويس وهذه الحشود لم تشهدها السويس من قبل، الشعب ده يتجاوز كل التوقعات ومحدش يقدر عليه"، ذات المكالمة جاءت من شباب الفيوم، "مليون في الشارع"، وتعجبت هل الفيوم الوديعة أنتجت مليونا في الشارع، كان هذا إحساس الشباب فوق الأرض، وكانت المعلومات تتوالى بأن الحالة شملت محافظات صعيد مصر، الشعب أعلن أنه يرفض، وأنه أكثر وعيا من قاتليه وسارقي ثورته، وتجاوز بحركته طموحات أكثر المتفائلين. 2. إن الشعب أدرك أن أهدافه في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية تبدأ بإزاحة سلطة الإخوان بل والتنظيم ذاته الذي يتسم بالسرية والارتباط بهياكل خارجية، وكذلك كافة الجماعات التكفيرية والإرهابية في ذات الوقت الموالية لهم وكذلك مجموعات الراقصين تحت عباءة السلطة وأي سلطة. 3. توافقت الوقائع مع كافة السيناريوهات التي كانت تطرح بأن عندها يتدخل الجيش، وهذا في ذاته محل نقاش وإن كان الوعي بدور تأميني وحاسم للجدل للجيش يتزايد، حتى إن آليات الجيش نزلت تحمل شعار "جيش حماية الشعب"، وتوافق موقف الشرطة وكأن حالة من اليقظة استدعتها أحداث الاغتيال والخطف ورعونة قرار السلطة تجاه ذلك، ولتنزل آليات الشرطة تحمل شعار "شرطة الشعب"، هذا التوافق وضع إمكانات النجاح على إطلاق الأصابع. 4. كانت السيناريوهات تشترط الوصول إلى حالة الدولة الفاشلة، وهي حالة تبدأ عند الاحتراب الأهلي بالأساس، وهذا تكفلت به جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية الموالية لها، وجرت وقائع إسالة الدم من قبل 30 يونيو واستمرت حتى فجر الأول من يوليو، وصار وجوب التدخل هو تنفيذ لكلمة وزير الدفاع بأنهم لا يستحقون الحياة إن هم تركوا الشعب مصدر الشرعية معرضا للتهديد والقتل. 5. استوعب الجميع حقيقة أن البديل ليس أشخاصا، ولكن البديل دستور ينبع من رؤية وطنية جامعة تدرسها العقول المتخصصة والإرادات الشعبية ليتم ترجمتها في دستور ينتجه التوافق الوطني العام، ويصبح هو العقد الاجتماعي لدولة الثورة. 6. نجح العقل الجمعي التخلص من الاتهام بالاتفاق بين الثورة وعناصرها، والشعب، وبقايا النظام السابق، فلم تأخذ بعقله فكرة إعادة الاختيار بين مرسي وشفيق، ولا الاختيار بين نظام الإخوان ونظام مبارك، وأخذت فكرة العدالة الانتقالية تنمو، وتجد لنفسها من يدرك أنها بحث عن الحقوق وليس بيع الثورة بين مجموعات المصالح الجديدة والسابقة. 7. كانت الهجمات على المحافظات بتعيينات المحافظين الجدد، وعلى القضاة، وعلى الثقافة، والإعلاميين، وكأنها أوامر استدعاء لإتمام عناصر وحدة مكونات المجتمع، ومن ناحية أخرى، تجاوزت حركة العمال والفلاحين مجرد المطالب الفئوية، وهو أمر إن جرى التعامل البيني من هذه المكونات وبعضها البعض، لنجح في تكوين سبيكة وطنية تمكن من استثمار المرحلة الانتقالية لتحقيق مهام وضرورات النظام الجديد بعد الثورة. 8. حالة الثقة التي تجلت مساء يوم 30 يونيه، حدت من تأثير تصريحات السياسيين والجماعات حتى الشباب الذي بدأ حركة تمرد، وجعلت ذلك كله إما أن يضيف إلى رؤية تتجسد لإدارة المرحلة الانتقالية وطبيعة المهام الواجبة خلالها، بل وإلغاء فوبيا الزمن والتوقيت، فالمرحلة الانتقالية هي مهام يجب إنجازها، وفي الزمن الملائم لإنجازها. 9. الساعات السابقة على يوم 30 يونيو كانت أيضاً مع اقتراب الدعوة من لحظة التحقق، كانت كاشفة لمواقف عديدة، وفرز للنخب والأحزاب. 10. أثبتت الوقائع أن الرصاص والدم، كل ذلك لا يستطيع أن يرهب الشعب ويواجهه، وأن ما اقترفته جماعة الإخوان والكيانات الموالية لها، قد حكم على مستقبلها، وأن الشرعية الشعبية تلفظهم خارج المجتمع. 11. إن مهام التمسك بالأرض والصمود حتى تحقيق هدف رحيل النظام، هي الأكثر وجوبا الآن، وأن حالة العصيان المدني المتدرج هو أمر واجب أيضا. الشعب دائما يدفع الثمن مقدما، وصورة المرأة المصرية في مقدمة المظاهرات، وأمهات الشهداء تتقدمن الصفوف، يعني أن التمايز الإرهابي بالجنس قد انتهى مع نهاية هذا النظام اللقيط. الثقة بالنفس، وإدراك حقيقة مكونات الدولة المصرية، وإدراك مهام المرحلة الانتقالية، ثم تحويل أرواح الشهداء إلى رقيب على النفس المصرية، كل ذلك هو ضمانة إيجاد البديل الوطني لمصر الثورة. إن أصابع الاتهام التي تشير إلى سلطة الإخوان تتجاوزها إلى تلك الجماعة من المثقفين الذين ضللوا الوعي العام، سواء في بداية الثورة، أو خلال المرحلة الانتقالية السابقة، وفترة حكم مرسي، لعلهم يتقون الله في أمر وطن هو علامة في تاريخ البشرية، كما هي إبداعات شعبه مدرسة الصبر والصمود والوعي خارج محافلهم وبفطرة الإنسان السليمة. الاقتراب من لحظات الإزاحة لنظام الإخوان يجب أن تعي أن الشعب هو مصدر السلطة، وعند ذلك سيحترم العالم إرادة الشعب وما ينتج عنها، والاعتقاد في ضرورة المباركات الخارجية لفعل يستوجبه النضال الوطني هي أول خطوة لتجديد الصراع مع الإرادة الشعبية، لأنها تفريط واستجداء وانطواء تحت إرادة الأجنبي. طريق واحد لحسم معركة البقاء المصرية التي طالت لثلاثين شهرا، هي الإيمان بأن إرادة الشعب جزء من إرادة الله.