14 سبتمبر 2025
تسجيلكثيرا ما يدور حديث عن أحقية الأرض الموعودة لمن؟ لليهود أم العرب؟! وتلك مقدمة فاسدة لصراع فكري يراد له أن يكون أرضي الهوية ثانوي المعتقد! وهنا لابد من تبيين بعض الحقائق: الحقيقة الأولى: الإسلام دين الأنبياء جميعا الأنبياء سلسلة متصلة خاتمتها محمد- صلى الله عليه وسلم- وكلهم كانوا على دين واحد هو الإسلام قال الله (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) وهو منهج الأنبياء جميعا فنوح يقول لقومه: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ). وإبراهيم (كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). وبهذا وصي إبراهيم ويعقوب أبناءهم: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). وتمت الوراثة إلى عهد نبينا محمد خاتم هذه السلسلة المباركة والوريث الأخير وأتباعه لها وبهذا سماهم الخليل عليه السلام قال تعالى (..هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ). الحقيقة الثانية: الوراثة عقدية لا عرقية الأرض المقدسة خاصة - وغيرها عامة - إرث للعقيدة لا شأن لها بعرق ولا جنس قال الله (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ). وهذا عين ما قرره موسى عليه السلام: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). الحقيقة الثالثة: التاريخ يستشهد له لا يستشهد به التاريخ لا يمنح حقا ولا ينزع ملكا، وعليه فلا مجال للاستشهاد به في مثل تلك القضايا، بل التاريخ هنا مرآة كاشفة تظهر لك سنن الله القائمة التي لا تتبدل ولا تتغير وفق قواعد القرآن الكلية ومحكماته القطعية. وقصة دخول بنو إسرائيل بيت المقدس - والتي لم تكن أرض أجدادهم- تثبت ذلك، فقد كتبها الله لهم حين حاد ساكنوها عن شرع الله، فاستحق بنو إسرائيل بإيمانهم هذه الوراثة: (يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ). وقد فهِم بنو إسرائيل ذلك، وأيقنوا أن الوراثة عقدية لا عرقية ولا أدل على ذلك من موقف موسى من السامري وعبدة العجل. فالسامريّ - وهو من بني إسرائيل - حاد عن هذا المنهج أثناء غياب موسى (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ) واتبعه اليهود في ذلك، فكان حكم الله فيه (..فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ) أيّ لا أمسَّ ولا أُمسّ، أضحى منفياً عن الأرض المقدسة وعن الناس عقوبةً له، ولم ينفعه نسبه! ثم جاء الدور على من اتبعه من بني إسرائيل لتنالهم كذلك عاقبة الانصراف عن منهج الله (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) ففطِن القوم لما حدث فقالوا:(لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين). أمرهم موسى ساعتها بالرجوع(فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ) فتضاربوا بالسيوف، وتطاعنوا بالخناجر. وهذا يفسد قضيتهم القائمة على الأحقية بالإرث لا العقيدة. لقد منح بنو إسرائيل الوعد حين استحقوه إيمانًا بالله ثم انتقل الوعد عنهم حين غيروا منهج الله . وأحبارهم يعلمون ذلك فقد ذكر ابن كثير أن أرميا قال لبخت نصر: (إني لم أزل في أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ساعة قط، ولو أن بني إسرائيل لم يخرجوا منه، لم يخافوك ولا غيرك، ولم يكن لك عليهم سلطان. فلما سمع بخت نصر هذا القول منه، تركه، فأقام أرميا مكانه بأرض إيلياء). إن الوارث لهذه الأرض المقدسة هم المسلمون متى استقاموا على المنهج، واليهود والنصارى وغيرهم من أمم الأرض جميعا غير محرومين منها متى دخلوا في الإسلام واعتقدوه دينا.