14 سبتمبر 2025

تسجيل

كشف المستور

02 يونيو 2024

لعبت الصحافة دوراً مهماً في حياة الشعوب، وكشفت المستور في كثير من القضايا خاصة وقت الأزمات والحروب، كان دورها محورياً في تغيير توجهات الرأي العام، والمتابع للتاريخ وللأعمال الدرامية التوثيقية سيعرف حجم تأثير الصحافة على الشعوب أثناء الاستعمار والأزمات السياسية وأثرها في التحرير وتغيير المسارات السياسية، كما أن الصحافة بتحقيقاتها خاصة الاستقصائية تساهم في كشف قضايا الفساد والتجاوزات التي قد تقوم بها العصابات المتسترة تحت غطاء السلطة والمناصب النافذة، وتمكنت الصحافة والتي تُعد السلطة الرابعة من إسقاط كثير من القادة الذين كانوا يستغلون مناصبهم لمصالحهم الخاصة ويعيثون في الأرض فساداً، وتُعرف الصحافة الاستقصائية بالعمل الصحفي العميق والمبتكر، حيث يتم توظيف أساليب بحث منهجية وغالبا ما تفضح الأسرار، ويعتمد البحث الاستقصائي على السجلات العامة والبيانات بشكل مكثف وتركيزها على تحقيق العدالة الاجتماعية والمساءلة لمتجاوزي القانون، ودليل اليونسكو للتحقيقات الصحفية يُعرف الصحافة الاستقصائية « بأنها تكشف النقاب عن مسائل تهم العموم، كانت تخفيها عن قصد جهة ذات سلطة، أو يحجبها دون قصد ركام فوضوي من المعلومات والظروف التي تؤدي إلى الالتباس وذلك بالاعتماد على مصادر وسجلات قد تكون سرية أو علنية»، كما أنها منهج عمل وحرفة قد يتطلب إتقانها سنوات من البحوث والتقارير والمراقبة لكشف الانتهاكات الإدارية والفساد، وتختلف الصحافة التقليدية عن الاستقصائية، حيث إن في الصحافة التقليدية تُجمع المعلومات وفق إيقاع ثابت بشكل يومي أو أسبوعي، ويكتمل البحث سريعاً ونادراً ما تتم مواصلة البحث بعد نشر القصة أو التحقيق، وتُقدم معظم المعلومات للصحفي بسهولة، كما لابد من الموضوعية في التحقيق ونشر القصة ولا ضرورة لبنية درامية في التحقيق، في حين أن الصحافة الاستقصائية لا يمكن نشر المعلومات التي يتوصل إليها الصحفي إلاّ بعد ترابطها والتحقق منها، يستمر البحث حتى بعد النشر، ويتطلب التحقيق توثيقاً لدعم التصريحات، يضطر الصحفي إلى التخفي للحصول على بعض المعلومات التي غالباً ما يخفيها المسؤولون لأنها تضر مصلحتهم، يهدف الصحفي من قصته إلى فضح الأوضاع غير القانونية والمتعلقة بقضايا الفساد، ضروري اعتماد بناء درامي في القصة، يجب الحذر من الوقوع في الأخطاء لأنها تُعرض مصداقية الصحفي والمؤسسة الإعلامية لجزاءات غير محمودة. وقد ظهرت الصحافة الاستقصائية في العالم العربي في مصر عام 1949 حيث كشف الصحفي إحسان عبدالقدوس فضيحة الأسلحة الفاسدة التي تم تزويد الجيش المصري بها عام 1948، وفي عصرنا هذا نحنُ في أمس الحاجة للصحافة الاستقصائية لكشف ملفات الفساد والخروقات التي قد تقوم بها بعض المؤسسات وبعض الحكومات، خاصة مع تطّور أدوات البحث وسهولة الوصول للبيانات في ظل وجود الإنترنت إلاّ أن للأسف القوانين لا تحمي الصحفيين مما يجعل بعض الصحفيين يتردد في الانخراط في التحقيقات الاستقصائية، وبعد دخول البرامج التلفزيونية والوثائقيات الإخباريّة ربما تراجع نشاط الصحافة مؤخراً في تلك التحقيقات وذلك لاستخدام أدوات تلفزيونية مصورة أكثر إقناعاً في فضح التجاوزات والجرائم المُنفذة بطريقة مدروسة فساعد التصوير والتوثيق على انتشار تلك الحقائق أكثر من الصحافة ولم تعد القصص مقتصرة على حدود بلد معين بل ومع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت تلك الأخبار تصلنا في اللحظة نفسها ونتابعها أولا بأول ولكبار المسؤولين في العالم، وقد تكون قناة الجزيرة الإخبارية من أهم القنوات التي قدمت التحقيقات الاستقصائية والتي فضحت كثيرا من المسؤولين في دول عدة بل ووصلت للحكومات وكانت سببا في محاسبتهم وتطهير الدول من فسادهم، ولهذا تتم محاربة قناة الجزيرة وتزدادُ المطالبات بإغلاق مكاتبها في بعض الدول لما تقوم به من تحقيقات تكشف فيها التجاوزات الدولية والانتهاكات القانونية. نحنُ بحاجة إلى تعزيز دور الصحافة الاستقصائية وترغيب الصحفيين في العمل بها، وتطويع القوانين لحماية الصحفيين، ولعّل مسؤولية تحفيز الصحفيين تقع على القائمين على الصحف ودفعهم للتحقيقات والقصص التي تساهم في كشف الفساد فبذلك تتميز الصحيفة أولاً ولا تعد مجرد ناقل للخبر، ثانياً في ظل انتشار مواقع إخبارية متنوعة تنقل الأخبار بشكل أسرع من الصحيفة الرسمية. • لابد من وضع خطة لاستقطاب الشباب من الجنسين للعمل الصحفي في الصحف والقنوات الرسمية وتسليحهم بالمهارات التي تؤهلهم للعمل في التحقيقات الصحفية خاصة الاستقصائية. • تحية لهيئة الرقابة الإدارية والشفافية على تنظيمها دورة تدريبية بالتعاون مع المركز القطري للصحافة ومعهد الجزيرة للتدريب لتدريب الصحفيين على دورهم في كشف الفساد، وقد تكون خطوة إيجابية نحو التغيير لتعود للصحافة سلطتها وليكون دورها فعّالاً أكثر في كشف المستور.