03 نوفمبر 2025
تسجيلتعتبر ميزانية السنة المالية 13-2012 الأكبر على الإطلاق في تاريخ قطر وتعكس التوجهات المستقبلية للبلاد أي الإصرار على تحقيق أفضل نسب النمو الاقتصادي. تم إعداد الميزانية الجديدة بزيادة 27 في المصروفات فضلا عن 26 في المائة في الإيرادات مقارنة بالأرقام المعتمدة للسنة المالية 12-2011. يؤكد نمو من هذا المستوى للنفقات والدخل من حالة تميز الاقتصاد القطري. في المجموع تبلغ قيمة النفقات المقدرة نحو 48.9 مليار دولار مقابل إيرادات قدرها 56.6 مليار دولار ما يعني توقع فائض قدره 7.7 مليار دولار. المشهور عادة توقع تسجيل عجز عند إعداد المالية العامة لكن الأمر يختلف بالنسبة لقطر صاحبة الاقتصاد الأكثر نموا على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يعد هذا الفائض جوهريا كونه يشكل قرابة 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق. فحسب رصدنا لأحدث الإحصاءات يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لقطر نحو 197 مليار دولار أي في المرتبة الثالثة بين دول مجلس التعاون الخليجي بعد كل من السعودية والإمارات. تحل الكويت في المرتبة الرابعة من حيث الترتيب الاقتصادي في المنظومة الخليجية بناتج محلي إجمالي قدره 181 مليار دولار. يشار إلى أن مشروع الاتحاد النقدي الخليجي يلزم الدول الأعضاء بتقييد عجز الميزانية العامة عند حد 3 في المائة للناتج المحلي الإجمالي. لكن كما أسلفنا تتمتع المالية العامة في قطر بفائض وليس عجزا. بل ليس من المستبعد حصول ارتفاع لمستوى الفائض بالنظر لتوقع تعزيز الإيرادات النفطية في حال محافظة أسعار النفط على مستوياتها المرتفعة. يشكل الدخل النفطي بشقيه النفط والغاز نحو ثلاثة أرباع إيرادات الخزانة العامة. وقد افترضت السلطات متوسط سعر قدره 65 دولارا للبرميل للسنة المالية والتي بدأت في أبريل 2012 وتنتهي في مارس 2013. حقيقة القول يعد هذا الرقم أعلى من ذلك الذي تم افتراضه للسنتين الماليتين الأخيرتين وتحديدا 55 دولارا للبرميل. بيد أنه يبقى الرقم الجديد أقل بشكل نوعي من الأسعار السائدة في أسواق المال حيث من المتوقع أن يتراوح المتوسط ما بين 100 إلى 107 دولارات للبرميل خلال العام الجاري. تساهم التوترات من قبيل الحظر الغربي المفروض على توريد لنفط الإيراني فضلا عن ظاهرة انتعاش الاقتصاد العالمي في بقاء أسعار النفط مرتفعة نسبيا. من جهة أخرى تشكل النفقات العامة قرابة ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد الأمر الذي يعكس الأهمية النسبية الكبيرة للدولة في الاقتصاد المحلي. بل ترتفع هذه النسبة بعد إضافة النفقات المؤسسات المملوكة أو شبه المملوكة أو تلك التي تحتفظ فيها الحكومة بنسب مؤثرة. تساهم النفقات العامة في إقناع مستثمري القطاع العام باتخاذ خطوات مماثلة وفي ذلك خدمة للاقتصاد الوطني برمته. بمعنى آخر من شأن رفع مستوى مصروفات القطاع العام تعزيز الثقة لدى القطاع العام حيال الآفاق الاقتصادية للبلاد. بالتأمل في تفاصيل النفقات العامة يلاحظ تسجيل قفزة نوعية قدرها 48 في مخصصات الرواتب إلى نحو 10 مليارات دولار. وجاءت هذه الخطوة بعد توجه الدولة لإجراء زيادة كبيرة في رواتب المواطنين العاملين منهم في القطاع العام. كما شملت الزيادة المتقاعدين من المواطنين في إطار تعزيز مستوى الرفاهية من جهة وعملا بمبدأ توزيع الثروة من جهة أخرى. يبقى أنه تحمل هذه المخصصات على وجه التحديد تهديدا لارتفاع الأسعار وبقائها مرتفعة وفي ذلك تعريف للتضخم. يشكل التهديد أكبر تهديد لديمومة ورفاهية أي اقتصاد محلي بل أكثر من البطالة لأنه يصيب الجميع ولو بمستويات متفاوتة. لكن الحال ليس كذلك بالنسبة للبطالة حيث يقتصر الضرر على العاطلين والأطراف ذات العلاقة مثل الأسر ومؤسسات التمويل. وكان الاقتصاد القطري قد عان الأمرين خلال العام 2007 بسبب معضلة التضخم المستورد في ظل ضخامة أسعار النفط بالتوازي مع تدني قيمة الدولار وارتفاع أسعار بعض المنتجات المستوردة. عموما ليس من المتوقع البتة العودة لظاهرة التضخم التي سادت قبل عدة سنوات بالنظر لعامل التجربة فضلا عن انخفاض مقصود لمستوى النمو الاقتصادي. حقيقة القول يتوقع صندوق النقد الدولي تسجيل نسبة نمو في حدود 6 في المائة خلال 2012 مقارنة بأكثر من 10 في المائة في السنوات القليلة الماضية. ومن شأن الحد من النمو الاقتصادي وضع سقف لمستوى التضخم لأن هناك عادة أخذ وعطاء بين الأمرين. ويعود تراجع النمو الاقتصادي بشكل أساسي لتوجه السلطات للحد من توسعة الطاقة الإنتاجية للغاز. ففي غضون عدة سنوات لا أكثر ارتفعت الطاقة الإنتاجية للغاز من 38 مليون طن متري إلى 54 مليون طن ومن ثم 77 مليون طن مع بداية 2012. يندرج التوجه الجديد في إطار الاستفادة القصوى من مستويات الحالية للإنتاج في القطاع النفطي برمته بما في ذلك النفط الخام. ختاما يتوقع أن عملية رفع مستويات النفقات العامة وتسجيل نسب نمو مريحة للاقتصاد الوطني في تعزيز ترتيب قطر على مؤشر التنمية البشرية. وكانت قطر قد حلت في المرتبة رقم 37 دوليا أي الثاني عربيا بعد الإمارات في التنمية البشرية للعام 2011. يعتمد التقرير السنوي ومصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على ثلاثة متغيرات وهي مستوى الدخل والصحة والتعليم. وقد حصلت على أعلى متوسط دخل في العالم في التقرير الأخير وتحديدا 107 آلاف دولار للفرد الواحد. وليس من الخطأ توقع المزيد من ارتفاع مستوى الدخل كنتيجة مباشرة لزيادة النفقات العامة ولكن ليس على حساب التضخم. باختصار يعيش الاقتصاد القطري ظروفا إيجابية بشكل نوعي في ظل رعاية حكومية ملتزمة بتحقيق أعلى مستويات الرفاهية المعيشية للمواطنين. فمرحبا بميزانية 13-2012 أو ميزانية التنمية بكافة أبعادها.