12 سبتمبر 2025
تسجيلالدراما التلفزيونية تعتبر في المخطط البرامجي للتلفزيون وكذلك الإذاعة العمود الفقري في كل دورة برامجية لهما. والتلفزيون عندما بدأ عام ١٩٧٠م – ١٩٧٤م بالأسود والأبيض وبدأ يبث برامجه بشكل متواضع وبفترات زمنية قصيرة وحتى المبنى كان متواضعاً ومقره الإذاعة القديمة بأستوديوهات صغيرة متواضعة في شكلها ومضمونها ولا تتسع إلا لتقديم نشرة الأخبار والبرامج المنوعة والتي تعتمد على المذيع لضيق الأستوديو ولكن مع هذا أنتج التلفزيون عدد ثلاث تمثيليات بالأسود والأبيض مثل: عائلة بوشلاخ- أنا الغلطان -الي ما عنده قلم ما يسوى قلم-، ونظراً لضيق الأستديوهات في عدم القدرة لبناء الديكورات فقد قام التلفزيون بتصوير تمثيلية ( بوشلاخ) في مبنى دائرة الإعلام الذي كان يقع في عمارة نابكو بشارع المطار بالقرب من الدوار المجنون وكانت هذه العمارة تضم أيضاً وكالة الأنباء والعلاقات العامة وقاعة الموسيقى والغناء التي تقع في الدور الأرضي للعمارة والتي تم فيها تصوير تمثيلية بوشلاخ لإمكانية مساحتها في بناء الديكور، أنا الغلطان قدمت في الأستديو ولكن لم تحقق المعادلة في التنفيذ بالشكل المطلوب لضيق الأستديو أما الي ما عنده قلم ما يسوى قلم تم تصوير أغلب المشاهد فيها خارجياً وشهدت هذه التمثيلية ظهور أول عنصر نسائي قطري وهي (سلوى عبدالله) وكان صاحب فكرتها المرحوم موسى عبدالرحمن موسى وكانت هذه التمثيليات من إخراج المرحوم أحمد الطوخي، في عام 1974م بدأ البث التلفزيوني الملون في مبناه الجديد وبدأت إدارة التلفزيون باستقطاب مخرجين من الوطن العربي من أمثال المرحوم حسن بشر ووجيه الشناوي وإبراهيم الصباغ وأمين الطريفي وعبدالمجيد الرشيدي وغيرهم. وتم إنشاء مراقبة للدراما والنصوص والإنتاج وكان للمخرجين القطريين دورهم البارز في هذا ومنهم الأخ المخرج علي الحمادي وعلي التميمي وغيرهم. ومنذ منتصف السبعينيات ونهاية التسعينيات من القرن الماضي بدأت الدراما القطرية تضيء في السماء المحلية والخليجية من حيث الشكل والمضمون في الكم والكيف، عندما كنا نشاهد مسلسل فايز التوش بأجزائه المختلفة في طرح قضاياه المعبرة عن نبض الوطن والمواطن في سياق الأحداث من حيث الطرح للمواضيع التي تلامس قضايا المجتمع وغيرها من المسلسلات ذات الطابع والنهج المحلي لقضايانا المختلفة مثل الهجرة إلى المستقبل – الضياع – دانة- صرخة ندم – البيت الكبير – الدانوب – بنات الفريج – سيف دحيلان - آخر الأيام - نعم ولا وحكم البشر وغيرها من تلك المسلسلات المحلية منها والعربية والتي حصلت على عدة جوائز في مهرجانات عربية وخليجية. ولا ننسى دور التأليف لمثل هذه المسلسلات وخاصة المحلية وعلى رأسهم الأخت الفاضلة وداد عبداللطيف التي أثرت الدراما القطرية بكتاباتها وتنويع مواضيعها في الطرح والتي كتبت أغلب هذه المسلسلات. وهنا اسمحوا لي أن أذكر لكم موقفا جاء على لسان عملاق الكوميديا الخليجية في تلك الفترة وهو الفنان المرحوم (عبد الحسن عبدالرضا) عندما كان في زيارة للدوحة للتعاقد على عرض مسرحية عزوبي السالمية والتي عُرضت في سينما الخليج قبل افتتاح مسرح قطر الوطني في عام 1982م وأنا أودعه في المطار قال لي (يا بوجسوم صرتو ذيابه في إنتاج الدراما التلفزيونية وأنا أخوك) وهذا الإطراء من هذا الفنان في تلك الفترة بمثابة شهادة تقدير تعلق على صدر الدراما القطرية، وكما تعلمون بأن المواطن والمقيم في تلك الفترة الذهبية للدراما كان ينتظر بفارغ الصبر المسلسل الذي يعرض بعد الإفطار لأنه كان يطرح مشاكله ويخاطب وجدانه ويرى ما يطرح قريبا منه في الشكل والمضمون وكذلك الإذاعة كنا ننتظر بفارغ الصبر المسلسلات التي كانت تذاع قبل الإفطار مثل: سوالف اليصاصة – وأهل الرق- ودورة زمان – ودقت القبعة – من إخراج المرحوم إسماعيل تامر وكذلك تجار المخشر الذي تشرفت بإخراجه في إحدى الدورات الرمضانية وهذه المسلسلات المتميزة في الطرح كانت من تأليف المرحوم أحمد حسن الخليفي، رحمه الله، ولكن للأسف الشديد بعد أن ألغت إدارة التلفزيون مراقبة الدراما والنصوص والإنتاج وأسندت هذا الدور لشركات الإنتاج الخاصة أصبح التلفزيون مُسيرا بعد أن كان مخيرا في إنتاج هذه المسلسلات ولنكن واقعيين وبعيداً عن المجاملات والعلاقات الشخصية كلنا نعلم علم اليقين بأن شركات الإنتاج هذه وجدت في المقام الأول للربح وليس لإثراء الدراما وكذلك هو المجال في المسرح نفس الأسطوانة المشروخة وهذا حق مشروع بأن تربح ولكن ليس على حساب مفهوم الدراما تلفزيونياً ومسرحياً وهذا كلام مأكول خيره. وفي ظل هذه المؤسسات الإنتاجية الكثيرة أصبح العمل المنتج لمثل هذه الشركات وتلك المؤسسات لا يحقق المعادلة في متعة المشاهد وتحقيق طموحاته ورغباته اجتماعياً وثقافياً وفكرياً كما كان الحال في السابق ومن هذه الأعمال ما شاهدناه على الشاشة الفضية في رمضان بعد الإفطار وهو مسلسل يحمل اسم قالوا الأولين الذي نفذ في الجمهورية التركية علماً بأن أغلب هذه المشاهد لا علاقة لها بما قاله الأولون وهناك فكرة لا تحمل مقومات ماهية الدراما وأحداث غير منطقية في تسلسل وبناء الأحداث الدرامية وشخصيات نمطية مركبة وإقحام غير مبرر فنياً ناهيك عن العناصر الأخرى مثل الملابس وتقمص الشخصيات لأدوارها والديكور وغيرها من العناصر الفنية، رغم أن الموقع يتسم بالجمالية في الشكل التي تدور فيه الأحداث ولكن العمل الفني هو مجموعة عناصر متكاملة يجب أن تتسم بالتجانس فيما بينها بدءا من النص وهو الأهم ومن ثم المخرج والذي يعد هو المحرك الأساسي للعمل، من ثم الممثلون والإضاءة والديكور وغيرها من متطلبات العمل الفني والتي للأسف هذه العناصر فقدت التجانس والإيقاع الفني فيما بينها والتي لم نر لها أي موقع من الإعراب لا بالفتحة ولا بالضمة ومن هنا نقول لابد من إعادة وترتيب مفهوم الإنتاج الدرامي لمثل هذه الأعمال من إدارة التلفزيون وإعادة المياه إلى مجاريها بعودة مراقبة الدراما والنصوص والإنتاج لأن ما يصرف لمثل هذه الأعمال من موازنات فوق الخيال وفوق ما يتصوره العقل والمنطق وليس هناك نسبة وتناسب بين الكم والكيف وهذه النوعية من الأعمال أصبحت لا تتناسب مع العصر الذي نعيشه وفي هذه الحالة يصبح الكحل في العين الرمدة خسارة وسلامتكم..