28 أكتوبر 2025
تسجيلكتب الزميل الكاتب السوري إسلام أبو شكير، عن فكرة عثر عليها في إحدى رواياتي، وأشار إلى أن تلك الفكرة الغريبة، كان يمكن أن تتطور، وتتحول وحدها إلى عمل ملحمي، بطله تلك الشخصية التي قرأ عنها في روايتي. أشير أولا إلى أن إسلام ولأنه كاتب أيضا، انتبه لما كتب بشكل عابر، في نص كان معنيا بأشياء أخرى، شكلت مادته الرئيسة، وتلك الفكرة برغم غرابتها وطرافتها وإمكانية توظيفها بالفعل، لم تكن بارزة أثناء الكتابة، بحيث تنحرف بالنص عن مساره الذي رسمته، وتشكل قوامه وهيئته الجديدة، والحقيقة أنني بعد أن تأملتها الآن، أحسست بأنني وفي سبيل توصيل أفكار أخرى، ألقيتها عن ظهر الذهن، في طريق كتابتي للنص، وهذا التأمل لم يحدث أثناء الكتابة، وإلا لفكرت في طريقة تجعلني أستمر في حملها وأمضي.هذه المسألة، أي مسألة تطور الأفكار وعدم تطورها أثناء الكتابة، وأيضا الأفكار الموحية وغير الموحية، تطرقت لها عدة مرات في كتاباتي عن مفهوم الكتابة وآلياتها، من وجهة نظري الشخصية. هناك كثير من الشخصيات والأفكار، تصادفنا في الحياة، وأحيانا تلازمنا لفترة طويلة، وتسكننا وبرغم ذلك لا نستطيع كتابتها، قد يحس الكاتب أنها قوية ومتمكنة، وستمنح الكتابة نصا متمكنا، لكنه حين يجلس ليكتبها، لا يستطيع أن يرسم ملمحا واحدا، أو يطور فكرة واحدة، وإن حاول، لا يكون راضيا عن محاولته، على العكس تأتي بعض الومضات الخاطفة، تأتي مصادفة في أحيان كثيرة، لتصنع نصوصها وملاحمها، وبسهولة شديدة. وإن حاولنا البحث عن تفسير لذلك، لا نجد أبدا، هو شيء لا يملكه أحد قطعا.أذكر هنا قصة كبير الممرضين في مستشفى عملت به، والذي أعتبره حكاء عظيما كان يتجول بخياله في كل مكان ويروي نصوصا لن تحدث قطعا، ولدرجة أنه كان يلقب بالكذاب في أوساط معارفه ورؤسائه في العمل. فالرجل الجالس على مقعد البلاستيك الممزق في حوش المستشفى، والذي لم يغادر المدينة إلا عدة مرات فقط، ذهب فيها للعاصمة وعاد، يتحدث عن فترة عمل فيها سائقا خاصا لملك الأردن، ويصف كل ما له علاقة بقيادة سيارات الملوك، يتحدث عن صداقته بالممثل يوسف وهبي، وكيف كانا يسهران معا في فنادق الدرجة الأولى في ذلك الزمان. عن الهندية التي تزوجها وسماها: نور الصباح وكان اسمها: شينا، وطلقها لأنها سخرت من والده العجوز الذي زاره قادما من قريته في الشمال.هذا الحكاء الذي جلست إليه عشرات المرات واستمعت إلى حكاياته الغريبة والدقيقة في وصفها وتقنيتها، لم أستطع كتابته. فكرت فيه بطرق متعددة، جعلته شخصيات مختلفة، ولم أرض عن أي منها، وتركته، في حين أن فكرة رواية مثل زحف النمل، وبطلها المغني أحمد ذهب، لم تكن سوى ومضة صغيرة، من خبر قرأته مصادفة في صحيفة، وجلست في نفس اليوم لأكتب روايتي زحف النمل.إذن نحن في عالم الكتابة، لا نملك أحقية أن نكتب فكرة، أو نرسم شخصية، بمحض إرادتنا، وبعفوية كاملة، لكننا ننتظر أن تومض الفكرة، وتهددنا من أجل أن نكتبها، وهكذا ربما تضيع بعض الأفكار العظيمة، أو تسقط عن حمولة نص كان يحملها.