13 سبتمبر 2025
تسجيل• ما هي التغييرات التي طرأت على الساحة الإعلامية القطرية؟ كان اليوم العالمي لحرية الصحافة فرصة أن نلتقي ونطرح بكل جرأة وبلا مجاملة وضع وسائل الإعلام في قطر نتجاوز فيها الماضي، ونتحدث الحاضر ونستشرف المستقبل، لكن للأسف كانت الندوة التي أقامها مركز الدوحة لحرية الإعلام تركزت حول الحديث عن تجارب الأفراد والشخصيات أكثر من تحليل السياسات والممارسات والقوانين والتشريعات والاستراتيجيات؟! لا ألوم مركز الدوحة لحرية الإعلام، بل أحمل اللوم المنظومة الإعلامية التي نشترك فيها جميعا من صحافة ووسائل سمعية ومرئية والتي تعد مخرجاتها متواضعة وضعيفة وهي عاجزة عن إحداث تغيير جذري في طريقة العمل، وإحداث قطيعة معرفية مع الماضي وإفرازاته، وتجاوز إشكالية الحاضر، والقفز إلى الإمام، والولوج في مرحلة جديدة تتماها مع الانفجار الكبير الذي حدث في منظومة وبنية الإعلام العربي بعد ثورات الشوارع العربية.ما هو شكل المشهد الإعلامي؟ في الواقع لا جديد تحت الشمس، لم يتبدل الوضع كثيرا، ولم تطرأ العديد من التغييرات على الساحة الإعلامية، المصطلح الذي استخدمناه في السنوات الماضية في وصف وسائل الإعلام في قطر وهي الطريقة الصينية لربط الأقدام (Chinese Foot Binding) لا يزال هو السائد والمسيطر، وهذا الوضع غير الصحي في التضييق بوضع الأقدام في الحذاء الصيني حتى لا تنمو، ويكمن الفرق في حالة الإعلام في قطر أن إحدى الأرجل (الإعلام المحلي أو الداخلي الصحافة والإذاعة والتلفزيون الرسمي) تلبس قالب الحذاء الصيني بينما الرجل الأخرى (الإعلام الخارجي وعلى رأسه الجزيرة وملحقاتها) ظلت طليقة، بينما تشوهت الأخرى ومازالت تعاني وتتألم وتتوجع ولا تستطيع السير بشكل سليم ناهيك عن الجري ودخول السباق أو الفوز بالماراثون!! الحالة شبه متجمدة منذ زمن طويل إذ لا يوجد قانون عصري يرفع من سقف الحريات ويرسي تعددية لإصدار صحف جديدة تنافسية وينظم العمل الصحفي والإعلامي ولا يعرف مصير القانون الجديد، وأين وصل، وماذا جرى عليه من تعديلات وتغيرات ومتى سيظهر للنور، ومدى سقف الحرية والتعبير الذي يسمح به، وكيف سينظم عمل وسائل الإعلام الجديد والنشر الإلكتروني، فلا يزال قانون المطبوعات والنشر هو المعمول به منذ أكثر من 35 سنة، وهو متمركز على العقوبات والغرامات والحبس، كما لا يوجد ميثاق شرف ولا دليل للعمل الإعلامي يسترشد به العاملون، ولا توجد مظلة للصحفيين والإعلاميين تحت مسمى جمعية أو نقابة، بل أصبحت الرقابة الداخلية للمسؤولين في بعض الصحف ووسائل الإعلام المختلفة وعلى رأسها التلفزيون الرسمي والخطوط الحمراء لا عدّ لها ولا حصر، وباتت الاستقلالية والتبعية والمصداقية تثير العديد من الأسئلة منذ حل وزارة الإعلام قبل عقد ونيف.هل الوضع الإعلامي مرض، وهل كل شي على ما يرام؟ في الماضي كنا نعتمد على مؤشرات القياس الغربية والعربية ومراكز رصد التقارير حرية الرأي والتعبير ومراسلون بلا والحدود، هيومن رايت واتش، ونستطيع أن نقول اليوم أن الحال تغيير قليلا في الاعتماد على ما ينشر في الداخل من بحوث ودراسات وتقارير وندوات، ويعود الفضل لاجتهادات بعض المؤسسات الخاصة، والجامعات التعليمة، وربما آخرها الدراسة التي أجرتها استقصائية لجامعة «نورث وسترن» في قطر الأسبوع الماضي والتي أشارت إلى مدى تراجع وسائل الإعلام التقليدية وتقدم وسائل المواقع الاجتماعية. هناك دراسة أخرى قمنا بها في دار الشرق وسننشرها في كتاب خلال الأشهر القادمة، أشارات إلى أن الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي تحتل المرتبة الثانية في نسب المشاهدة والاستخدام بعد المحطات الإخبارية متقدمه على الصحافة المحلية ويأتي في المؤخرة التلفزيون والإذاعة الرسمية. لكن المفاجأة الكبرى فجرتها دراسة «نورث وسترن» والتي أكدت في منتدى صناعات وسائل الإعلام في الدوحة على أن شعبية قناة الجزيرة القطرية قد تراجعت بشكل كبير في دول الربيع حيث بلغت نسبة المشاهدين للجزيرة هي أربعة في المئـــة فقط في البحرين، وتسعة في المئة في تونس، منذ بدايـة الربيع العربي، و20 في المئة في مصر. وقد وأجري المسح الاستقصائي على مدى أربعة أشهر، وشارك فيه ما يقرب من 10 آلاف شخص من ثماني دول عربية هي: مصر، قطر، تونس، البحرين، لبنان، المملكة العربية السعودية، الأردن، والإمارات العربية المتحدة، وذلك في محاولة لإظهار كيفية استخدام الناس وسائل الإعلام الإخبارية، في أعقاب «الربيع العربي». وأكدت نتائج المسح أن محرك البحث جوجل مثل مصدر الأخبار الأكثر شعبية. بينما تصدرت قناة الجزيرة القائمة في قطر، والإمارات العربية المتحدة والأردن وتذيلت القائمة في البلدان الأخرى. مجلة "دير شبيغل" الألمانية الشهيرة علقت على مثل هذه الاستطلاعات قائلة: "من خلال عقد من الزمن كانت الجزيرة تكتسب احتراما متزايدا ومتسعا بوصفها الصوت المستقل الوحيد في الشرق الأوسط، كما كانت تمثل الحيادية في منطقة من العالم يسيطر الرقيب فيها على وسائل الإعلام، غير أنها في العامين الأخيرين فقدت الكثير من وزنها المهني ورونقها". ولكن رغم كل المؤشرات التي تدل على تراجع الوسائل الإعلامية لم يتغير الحال إلى الأفضل، لم ندخل مرحلة مناقشة ومراجعة وتقييم وغربلة للحالة الإعلامية الداخلية في وسائل الإعلام المحلية صحافة إذاعة تلفزيون، ولا حتى الخارجية شبكة الجزيرة الإخبارية وملاحقاتها الرياضية والأطفال، لا في اليوم العالمي لحرية ولا في غيره، بل بقي الحال كما هو عليه في بعض المؤسسات وازداد سوء في مؤسسات إعلامية أخرى، الأكثر إيلاما والأشد مدعاة للشفقة، هو أن يتعرض مجموعة من أصحاب الرأي والتعبير في قطر إلى المنع من الدخول والترحيل والحبس والسجن والملاحقة في دول خليجية وعربية ولا يوجد إي اهتمام من قبل الوسائل الإعلامية والصحافة في الوقوف معهم ومساندتهم وتبني قضيتهم. هكذا يبدو المشهد الإعلامي في قطر اليوم بلا رتوش؟!